السبت، 22 يوليو 2017

خيبة وقلة حبايب

(1)

يقف أخى الأصغر حائرًا ويسألنى أى " تى - شيرت" سيكون أنسب لذلك المشوار؟

 أعدد له مزايا وعيوب كل منهما وفقًا للمناسبة، ثم أنصرف دون أن أحسم له الأمر عن عمد، ينخلع قلبى خشية أنه قد يتسلل إلى عقله شعور بأننى لا أهتم، لكننى أردد على نفسى أننى قد أعطيته مفاتيح الإجابة، ولم أتركه يجابه حيرته منفردًا، أعيد طمأنة نفسى بأننى أهتم بما يفوق خياله، أهتم لدرجة أنه لا يعنينى أى تى شيرت سيرتديه، وإنما يعنينى أن يستطيع اختيار الأنسب له بسهولة حينما لا يجدنى ليسألنى.



(2) 

كان ذلك منذ بضع سنوات، مساءً فى مكتب رئيسى فى عملى السابق، كنا نجلس معه أنا وزملائى لمناقشة بعض أمور العمل، إلى أن قاطعنا اتصال هاتفى ورده من ابنه الأصغر، كان رئيسى حينها فى مزاج رائق، فما كان منه إلا أن وضع ابنه على ال "سبيكر"، لنستمع إلى " لماضة"  ابنه الذى كان يريد استبدال ساعة اختارها بنفسه بلعبة، لينهى والده النقاش بقوله" "لا يمكن استبدال الساعة لأنه كان قرارك واختيارك.. وما عليك إلا انتظار الموعد المقرر لك الشهر القادم- حسب تقاليد أسرتهم-  لتبتاع ما أردت".



 (3)

طالما تستخدم جدتى ذات العبارة للتعقيب على خطئها فى تقدير بعض المواقف: " خيبة وقلة حبايب"، اعتدت سماع الجملة منها كثيرًا مقرونة بشفافية بالغة، وبقدر كبير من التصالح مع النفس  فى اعترافها بالخطأ، لم أكن أفهم ما تعنيه الجملة إلى أن بادرتها يومًا بالسؤال، ضحكت بشىء من الخجل، ثم أخبرتني أن اتخاذ أى قرار خاطىء يرجع جزء منه إلى عدم التقدير السليم للموقف، كالتسرع.. الاندفاع.. عدم الحكمة، إلخ وهو ما لا يمكن وصفه إلا بالــ" خيبة " ، فى حين يرجع الجزء الآخر إلى عدم وجود أشخاص مخلصة إلى جانب المرء ممن يمكنهم تقديم المشورة والدعم له لتصحيح مساره إن أخطأ الطريق، أو لتوجيهه إلى ما ينبغى عليه فعله، وهو ما عبرت عنه عبارة " قلة حبايب".



أظن أن ما يهم ليس فقط  أن تكون لدى  المرء القدرة على اتخاذ قرار بأن يتجاوز مخاوفه ويكون مغامرًا، أو أن يكون مؤمنًا بأنه لا مكان فى هذا العالم لمن يأمن السير فقط  بمحاذاة الحياة دون الذوبان فى طرقاتها.. لا يهم فقط أن يتعلم المرء كيفية اتخاذ قرار في ضوء معرفة أنه لا حلول ممتازة في أغلب الأحيان، وأن مقابل كل شىء يناله عادًة فثمة ثمن يدفعه نظير  الحصول على هذا الشىء، وهو ما يتطلب أن تستند قرارتنا إلى حسن التفنيد والتقييم من كل جانب، ثم التسليم بوجوب بعض التضحيات.. ليس هذا فحسب ما يهم، المهم فى النهاية أن "يتدرب" المرء يوميًا على اتخاذ القرارات حتى فى الشئون الحياتية البسيطة، كاختيار أى "تى -شيرت" سيرتديه، وأن يكون ناضجًا كفاية لتحّمُل تَبعات قراره، حتى وإن كانت فى أمر ساذج كمعرفة أنه قد لا يتمكن من استبدال ساعة اشتراها، وأن يتقبل سوء اختياره بصدر رحب ونفس تتقبل الخطأ ببساطة جدتى وهى تقول: " أهو اللى حصل بقى.. دى بس خيبة وقلة حبايب".