الخميس، 29 سبتمبر 2016

بوسطة 4 - هَنا ويوسف وعلى

لم أستسغ يومًا مقولة " أعز الوِلد..وِلد الوِلد"، كنت أراها دومًا مجحفة وظالمة، بل كنت استشعر فيها شىء من الخيانة وعدم الوفاء، فكيف يمكن لأى أم أن تضع حبها الكبير لأبنائها جانبًا مقابل أطفال صغار لم تعِش معهم كما عاشت مع آبائهم؟
أفكر كثيرُا فى أن هذه المقولة موازية تمامًا لأن يتزوج أحدهم بزوجة ثانية فيحبها أكثر من زوجته الأولى، وتطل فى رأسى الجملة الشهيرة لماجدة زكى فى مسلسل الحاج متولى " دة أنا القديمة".
أما الآن..فإن كان يمكن أن أقيس هذه الجملة على حالة شعورية مماثلة، فإنه يمكننى تأكيدها، وأن أجزم بأن بها من الحب ما هو أكبر من الخيانة التى كنت أظنها تختبىء خلف كلمات المقولة.


 صغار ثلاثة قد لقننونى الدرس: هَنا ..ويوسف .. وعلى، وأكدوا لى أن حبهم الذى أظنه أحيانُا يفوق  فى قلبى حب أمهاتهم - صديقات عمرى - لا تشوبه شبهة الخيانة من قريب أو من بعيد، بعد أن وجدت نفسى فى ورطة التلبس بخيانة كتلك التى تنطوى عليها مقولة أعز الوِلد.


 شىء من الارتباك قد تسلل إلى قلبى بعد أن وجدتنى امتلىء بالتعلق بالصغار الثلاثة بصورة تجعلهم يطلون فى رأسى قبل أمهاتهم أحيانًا،  قضيت الليل وأنا أحاول فض هذا الاشتباك داخلى، إلى أن وصلت لتفسير يرضينى تمامًا، ويجعلنى أغيّر منظورى القاسى بشأن جملة " أعز الوِلد"، فببعض التدقيق تكتشف أنه لولا الحب للأصل لما أحببت الفروع بهذا القدر، تتعلق بهم لأنك ترى فيهم نسخًا مصغرة من آبائهم الذين أحببتهم أولاً، أى أن التورط فيهم لا يمثل خيانة للآباء وإنما هو إثبات أكبر على عمق المحبة.


صغار ثلاثة يزداد تورطك بهم كلما كبروا واستطاعوا تمييز شخصك، باتوا يعرفونك باسمك ويآلفوك، يهرولون عليك ليستقبلونك بأذرع مفرودة فى كل لقاء يجمعهك بهم، يسألونك فى نهاية كل خروجة: "مش هترّوحِى  البيت معانا ليه؟" ..يتبادلون معك قصصهم الطريفة بشأن الأميرة رابونزيل، وشجاعة سوبر مان،  هذا طبعًا فى حالة هَنا ويوسف، أما على الذى لم يجيد تركيب الكلام بعد فيكيفينى عناقه بيده الصغيرة حينما يألف كتفى ويجد فيه مساحة آمنة للنوم، أو إشارته بيده الصغيرة لى لأرفعه من الأرض، إذا خشى محاولة بعض الغرباء التودد إليه .


بوسطة اليوم ربما لا تجيدوا قرائتها يا صغارى، لكننى أكتبها رغمًا عن ذلك لتتمكنوا مستقبلاً من قرائتها، وتعرفون أن ثمة شخص فى زمن بعيد قد كتب لكم أول خطاب حب فى حياتكم، ولتعرفوا أن بسببكم بات قلبى الآن  ينخلع مرتين عند وداع أصدقائى السنوى لظروف السفر: مرة لفراق الأصول.. ومرة للفروع، ليبقى ما يطمئن القلب حقيقة أن الجذور ثابتة فى الأرض رغم المسافات.