الثلاثاء، 28 يناير 2014

بلوتو الدور الرابع 4 - بهجة التفاصيل

عزيزى على.. صديقى الفضائى الذى تفصلنى عنه كواكب ومسافات أعجز عن حسابها و تجمعنى به صداقة أعمق من كل محاولات الشرح النظرية

بعد السلام و التحية،،


أحتفل اليوم يا صديقى بمرور عام كامل على إنشاء مدونتى الإلكترونية تلك..تلك المساحة من البراح المُتاح لى فيها الحديث كما أشاء و تقريب ما يجول فى ذهنى إلى أقرب وحدة  ممكنة من الكلمات..صحيح أنه  ثمة حواديت حياتية كثيرة  مازالت لا تتعدى حدود نفسى و لا تُنصفها الكتابة..إلا أنها تجربة أعتز بها كثيراً..أعتز بالكتابة بشكل قد أعجز فعلاً عن إيضاحه بشكل واف..ولكن دعنى أجتهد نوعا ً ما..هل تعرف يا صديقى بهجة النيكوتين عندما يمتلىء به صدرك عقب تدخين سيجارة؟ 


لا يا على ..قطعا ً لم أدخن أبدا ً..ولكن من يحب الكتابة تتسع جزيرة خياله لتصبح بحجم العالم ..معك حق ربما هو مثال أحمق،،و لكن أتعلم ربما لذلك أحب الكتابة..هى مساحة بلا حدود للحديث حتى عن أفكارك الحمقاء.


ماذا إذن ..لو شبهت َ نشوة الكتابة بتلك النشوة التى تسرى فى عروقك بعد لعب مباراة كرة قدم مع أصحابك ؟
" أه ياعلى ..أه لعبت يا على كورة مرة مع صحابى ع الشط فى اسكندرية ..و شوية مع أخواتى فى البيت..وأه يا على كلها كانت محاولات بائسة و مزرية ..لكن انا بتكلم عن الحالة ..عن البهجة "


أرجوك قياساً على المثالين السابقين حاول أن تستنتج مدى إعتزازى بالكتابة دون أن تجعلنى أسترسل فى مزيد من الأمثلة ..ضع من مخيلتك ما شئت من أمثلة مبهجة و أعتبرنى ضربتها لك مثلا ً..يصعب جدا ً يا صديقى أن أعدد لك أمثلة البهجة..هل تعرف لماذا ؟ لأن البهجة مسألة نسبية ..فقد قرأت مرة أن من حكمة الله أن يجعل أسباب البهجة مختلفة حتى لا يستأثر بها شخصا ً لذاته و يحجبها عن الأخرين ..كما أننى لو أسترسلت فى مزيد من الشرح ربما لن يجدى ذلك نفعا ً..كل محاولات الشرح يا صديقى مهما أجتهدت فى وصفها تظل محاولات نظرية بحتة لا تُنصف شعورك كما تعايشه أبداً..ربما استطعت فقط بشرحك تقريب الصورة..لكنك لن تُمسك بالتفاصيل الدقيقة للصورة أبدا ً..فقط تشعر بها ..لكن لا يمكن أن تشرحها على نحو منصف.



وبما أننا تطرقنا فى حديثنا للبهجة..دعنى أخبرك أمراً..ربما هو أيضاً أمر ساذج و أحمق ..ولكن أعرف أن الحماقة بين الأصدقاء هى الأخرى نوع من أنواع البهجة..كأن تجلس مع صديق لك و تسترجعا كل " البلاوى السودة و التاريخ المتشرد " فتصابا بنوبة ضحك مفرطة و ربما بعض التشنجات من فرط الضحك والبلاوى معاً.. أما عما أردت إخبارك به فهو يخص التفاصيل..هل تعرف يا على إذا سألنى شخص ما هو مفهومك للبهجة الحقيقية ..ربما لن أجد إجابة أصدق من تلك الكلمة : التفاصيل.


صدقنى يا على..  لا غذاء تقتات منه أرواحنا كتلك التفاصيل الصغيرة جدا ً..جدا ً:إهتمام بسيط..محادثة دافئة غير متوقعة..أغنية مفضلة تغنيها بصوت عالى ..كلمة جميلة تلون يومك ..كتاب يمس بداخلك شيئا ً..حديث ممتع مع أشخاص تحبهم ..استماع صادق لكلاكيعك دون تسفيه أو استهانة..دعم مخلص فى أوقات إحباطك..إلخ ، ربما لذلك يقولون أن أحلى الأوقات دائما ً هى تلك التى لا تتوقع أبداً أنها ستكون بالفعل حلوة ..


نمشّيها بالعكس ؟


لا تتعجب ..هى طريقتى المثلى أحيانا ً إذا عجزت عن الحكم عن أمر ما ..فأتخيله بصورة معاكسة على طريقة ماذا لو ..ماذا لو حدث عكس الشىء تماما ً..عليك بتجربة هذه اللعبة يا صديقى..و صدقنى قد تساعدك فى حسم أمور شتى..ما أقصده هنا ..لنعكس مجرى الحديث..كم مرة رتبت لأشياء كنت تحسب أنها "نقلات" فى سير حياتك ستجد فيها سعادتك بلا شك و كانت النتيجة فى النهاية محبطة ؟ كم مرة ؟
وكم مرة عايشت المعنى الحقيقى للبهجة و شعرت بهرمون السعادة -أيا ً كان اسمه المعقد- يدب فى أنحاء جسمك ،بفعل أشياء بسيطة..صغيرة..قد تصل لحد السذاجة ؟




ما توصلت له يا على عبر سنوات عمرى الستة و عشرين إن كان من الممكن إعتبارها رصيد حياتى قد يتمكن المرء عنده من التميز بين المعانى و أضدادها و يصل عنده لشىء من الحكمة ..فهو أن السعادة ما هى إلا تفاصيل صغيرة تمس أبعد نقطة بداخلك..إن استطعت التعرف على ما قد يمس روحك من الداخل فستكون سعيد..و إن وجدت من يسعى للإحتفاء بتفاصيلك تلك و مشاركتك فيها..فأنت فى أعظم مراتب السعادة يا صديقى .. أما أحمق ما قد يقترفه المرء هو أن يحرم نفسه من الاستمتاع بتلك اللحظات الصغيرة مهمّشاً إياها ..ليظل منتظراً لتغييرات جذرية وكلية ظنا ً منه أن السعادة تكمن فيها..صدقنى  قد ينتهى بك الأمر فى منطقة البين بين..بين كل الأشياء دون أن تنتمى لأى منها..فلا تستمتع بالتفاصيل الصغيرة ..و لا يعزيك شيئا ً فى قسوة إنتظار التغييرات الجذرية تلك التى تتمناها..ناهيك عن الطموحات الواسعة التى قد تخذلك فى النهاية


ودعنى استشهد هنا بما قرأته  مرة عن أن السعادة لا تحتاج إلى استحالات كبيرة..أشياء صغيرة قادرة على أن تهزنا فى العمق


هيه..ما علينا 


أرجوك أن تعذر لى عدم إنتظام أفكارى و تجولى بين فكرة و أخرى فى عشوائية ..ما أردته فقط هو أن أشاركك إحتفالى الساذج بمدونتى..ولو تعلم فمشاركتى لك  فى أمورى الساذجة تلك..هو نوع دافىء جدا ً من مشاركة التفاصيل :)


من كوكب الأرض..مع تحياتى ،،