السبت، 23 مايو 2015

بلوتو الدور الرابع 14- انتصارات صغيرة

عزيزى على..صديقى الفضائى الحاضر دائمًا رغم الغياب ووحشة المسافات


أعلم أن خطابى هذا قد تأخر بعض الشىء..وأعلم أن كل أعذارى صارت بالية وربما لا تقنعك..لكننى لا أختلقها..هى حقيقية وتعلم يا صديقى جيدًا أن الكذب ليس من شيمى..خاصةً معك، لذا دعنى أتجاوز تلك المقدمة التى أضطر فيها لتبرير أسباب غيابى، ستكون مكررة ومبتذلة للغاية ككل شىء مبتذل ومكرر، لذا دعنا ننجو بأنفسنا من الوقوع فى دوامة العتاب واللوم والتبرير - على الأقل اليوم- أعى جيدًا إن العتاب محبة، ولا أظنك تشكك ولو لثوانى فى مقدار المحبة التى تُغّلف علاقتنا، لكن أرجوك بسعة صدرك وعميق تفهمك أن تتجاوز فقط عن دفعى للشرح فى هذا الخطاب.


                           أما الآن فأخبرنى..كيف حالك يا صديقى ؟
أنا ؟
أنا بخير يا على ..بخير، إذا تجاوزنا حالة الإنهاك الجسدى الغريبة التى أمر بها، والتى دفعتنى للذهاب للطبيب..فأنا بخير، إذا تجاوزنا أننى بعد عناء المشوار لم أجد الطبيب فى عيادته، وأنت تعلم كيف أن زيارة أى طبيب تكن هى الأوبشن الأخير بالنسبة لى بعد أن أراوغ نفسى كثيرًا وأتحايل عليها لإقناعها بأن الموضوع " شوية تعب ويروحوا لحالهم"  فأنا بخير..


أنا بخير رغم نوبة صغيرة من الإحباط لا أدرى هل لها علاقة بإرهاقى الجسدى أم لا؟ ..لا أعلم إن كانت لها علاقة بتلك الأوجاع الوطنية وحالة الصرع المجتمعى والحياد عن كل ماهو منطقى أم لا ؟


هل تعرف يا على ؟ أنا لا أعلم أى شىء..وتختلط فى ذهنى كل تلك الأمور التى تعاملت معها على أنها يقينيات..أنا بخير يا صديقى إذا نحيّنا ذلك الخوف الحياتى من غد  مبهم جانباً..وإذا لم نلتفت لكل تلك المشاعر السلبية التى أتفنن فى تجاهلها كثيرًا إلى أن تنال منى ..لكن لا تقلق يا صديقى..فعلاً لا تقلق فقد عاهدت نفسى منذ زمن على ألا استسلم لنوبات احباطى وأن أنتشل نفسى منها سريعًا قدر الإمكان..أنا فقط أفسح بعض المجال لفطرتى لأن تتجلى وتعبر عما لا يتوافق معها..هى حالة حياتية عادية يا صديقى وجزء من وجودنا وتركيبتنا الإنسانية ..صحيح أنك كائن فضائى ولكن كما أخبرتك فى خطاب سابق أظن أن الإنسانيات تسرى على كل المخلوقات..لذا فأعرف أنك ستتفهم ما أمر به ..ولذا أرجوك ألا تفزع وتأكد أننى حقًا بخير..أو بالأحرى سأكون قريبًا فى خير حال.


وحتى لا أثير فزعك فدعنى أخبرك عن بعض الانتصارات الصغيرة التى حققتها مؤخرًا..لقد قمت بزيارة طالما تم تأجيلها لطبيب الأسنان وقد تمكن بمهارته من محاصرة تلك "السوسة" اللعينة التى سلبتنى هدوئى لأيام طوال ( وعليك أن تلتفت لحالة النشاط المفرط والتغير الكبير الذى دفعنى لزيارة طبيبين فى أسبوع واحد..وهى ظاهرة كونية فى عالمى تستحق إخضاعها للدراسة والفحص والتدقيق من كل العلماء  المهتمين بما وراء الطبيعة)..ذلك بغض النظر عن تلك المشاجرة الصغيرة مع ذلك الشخص الذى حاول عبثُا أن يتحايل علىَ ليسبقنى فى الكشف.


كما أننى يا صديقى أعددت قالبًا من كيك الشيكولاتة بعد فترة غياب طالت عن المطبخ..وقد أشاد به الجميع وأنت تعرف تلك النزعة الأنثوية التى تصيبك بسعادة حمقاء حينما يثنى الآخرون على طبخك.. أنا على يقين بأنك تعرف هذا الشعور من خلال نساء كوكبكم..بل وأراهن أن نساء بلوتو تمامًا كنساء الأرض..أراهن على أن مشاعرنا الأنثوية واحدة فى كل كوكب وكل مجرة، مهما أختلفت أشكالنا وألواننا وأحجامنا.. كان قالب الكيك انتصارًا صغيرًا بغض النظر عن خطأى فى تقدير منتصف الكيك تحديدًا لأقسمه بالسكين وأحشوه بالشيكولاتة..كان حادثًا صغيرًا لكننى نجحت فى إخفاء جريمتى بمهارة ، وفى النهاية لم يلحظ أحد ..وأرجو ألا تخبرهم بما فعلت.


نعم يا صديقى هى انتصارات برغم تلك المشاجرة وبرغم ذلك الخطأ الأحمق الذى شوّه شكل الكيك بعض الشىء..هل فهمت ما أود قوله يا صديقى ؟

 انتصارتنا فى الحياة ليست خالصة.. ليست خالية من  العقبات أو منزهة عن الخروج عن النص ببعض الحماقات والأخطاء الجانبية سواء تسببت فيها أنت أو أوجدتها الظروف فى طريقك..وربما أكبر انتصاراتنا فى الحياة هى التى نتمكن من تحقيقها فى ظروف معاكسة..وقتها فقط تشعر بلذة ما حققت.


  قِس على ذلك يا صديقى كل النجاحات الحياتية، ووقتها ستدرك فقط أن المشكلة تكن أحيانًا فى تقديرنا الخاطىء للأمور..فى انتزاع الفرحة من صدورنا بإيدينا  عند أول شىء غير متوقع، أو ربما بــ " استسهالنا" قرار الإنسحاب و السير بعيدًا  عند أول مشكلة دون محاولة بذل أى مجهود للحفاظ على ما نمتلك أو لاستكمال ما بدأناه، رغم أن كل الأشياء الجميلة لا تأتى بسهولة..لا تأتى بسهولة أبدًا يا صديقى، وكما قال عز الدين شكرى فشير " الفصل بين الأشياء لا يحدث إلا فى قصص الأطفال "..وعلينا يا صديقى أن نتقبل الأشياء " باكيدج" على بعضها، إذا أردنا الوصول فى النهاية لمعنى مكتمل..لأن معانى الأشياء لا تكتمل إلا بإقتران الأضداد معًا..المهم الصبر يا صديقى والنفَس الطويل لاستيعاب المعنى وجنى حلاوة الصبر..فكما تغنَت بها أنغام مرة " الشوك تسقيه يطرح لك ورد" .


ألَهمنى الله وإياك الصبر يا صديقى..وأذاقنا حلاوة المعنى بلا عناء.


من كوكب الأرض
                        مع تحياتى ،،