السبت، 19 نوفمبر 2016

شوربة الخضار vs البانيه

تحول درامى فى الأحداث الحياتية ربما يصبح نقطة انطلاق لبداية مغايرة، ومن باطن كل محنة تولد منحة .


ربما تبدو البداية السابقة مبالغ فيها للغاية لوصف تجربة مرض صغيرة، قادت لبداية حقيقة نحو حب "شوربة الخضار"، ولكن  إن كنا نستمد الدروس الحياتية الكبيرة أحيانًا من أشياء صغيرة للغاية تقودنا إليها الصدفة، فإذًا  يمكننى التنظير حول شوربة الخضار بخشوع وتبتُل تقديرًا لكل تلك الدروس الحياتية التى لقنتنى إياها فى ليلة واحدة.


  • قضيت عمرًا كاملاً وأنا أنبذ شوربة الخضار، أرفض تناولها فى كل مرة توضع فيها أمامى على طاولة الطعام، تطلب منى أمى فقط أن أتذوقها لاختبر طعمها أولاً ثم أقرر بعدها تناولها من عدمه، وبحماقة المتعصب لرأيه دون موضوعية، كنت أتذوقها فقط بطرف لسانى لأوكد أنها بالفعل سيئة الطعم، فى الواقع لم أكن أعط الفرصة كاملة لمستقبِلات التذوق لتعمل كما ينبغى، أو كنت أتجاهل نتيجة عملها؛ لأن فكرة ما مستقرة فى ذهنى ولم أرد أن يثبت عدم صوابها.

            (اطلاق الأحكام النهائية القائمة على افتراض مسبق دون تجربة حقيقة.. حماقة)


  • بشكل ما، كنت اتصور أن شوربة الخضار عقاب، هى وجبة تُكتب للمرضى، أصبحت وجبة رئيسية فى منزلنا حينما أصيب والدى بالسكرى وأصبح نظامه الغذائى يتطلب وجبات محددة، ومن قبلها، كانت توضع على طاولة الطعام بمنزلنا فى كل مرة يصاب أحد أفراد الأسرة بأنفلونزا، ومع الوقت صار من المألوف أن تجد  شوربة الخضار بمنزلنا.  ظروف سيئة تعرفت فيها على شوربة الخضار، ظروف ظالمة لى ولها إن كنت أريد للتعبير أن يصبح أكثر دقة، إلا أن  المفاجأة بعد أن تناولتها تناوُل المضطر تحت ضغط اضطرابات بالمعدة، أن وجدت فيها راحة كبيرة  لمعدتى.. بل وطعمًا محببًا أيضًا، ويبدو أن للـ "كرفس" دورًا سريًا فى لذة الطعم.

               (قد يكون ما يريحنا أمامنا طول الوقت.. ولأننا اعتدنا وجوده لا نراه)


  • قبل أن تثور معدتى، كنت قد تناولت قطعة من " البانيه" الذى أحبه بشده ، ويبدو أنه كان سببًا فى إرهاق معدتى ومصارعتى التقلصات ليلة كاملة إلى أن انتشلتنى شوربة الخضار من الألم وأهدت معدتى الراحة، ربما كانت البانيه وجبتنى المفضلة على مدار سنوات عمرى الــ 29، كنت أتجاهل كل التحذيرات المحيطة بخطورة تناولها لتشبعها بالهرمونات، وبأضرارها على الكوليسترل لتشبعها بالزيت، كنت أتجاهل كل ذلك فى سبيل لذة وقتية يحققها لى الطعم، ومع الوقت تبين لى كيف  يؤذينى البانيه، وكيف أن كل لذة وقتية تجعلنا نغفل ما يستحق الوقوف عنده، تتحول لألم فى النهاية، بعد أن ينتهى مفعول اللذة.

          (كل متعة وقتية زائلة، ويبقى فقط مدى الراحة أو الألم كمحصلة حقيقية يمكن من خلالها تقييم تجاربنا)

                  

       

تحول درامى كحبى الوليد لشوربة الخضار كان جديرًا به أن يجعلنى أعى حقيقة أننا نتغير، نتغير بشدة مع الوقت، ولا يعنى ثباتنا على مبادئنا أن تكن أفكارنا كالأصنام جامدة، وإنما أن ننفتح على الأفكار الجديدة بمرونة، وبشجاعة لا تجعلنا نتنصل مما اعتقدناه مسبقًا، ربما الأمر أشبه بالمراجعات الفقهية، وبمراجعة فقهية توصلت إلى أنه صحيح  لا يمكن لشوربة الخضار مهما وفرت لى أسباب الراحة أن تصبح بالنسبة لى بانيه فى يوم من الأيام،  إلا أن الأذى الذى ألحقه البانيه بمعدتى، يُحتم علىّ إفساح المجال لإدخال شوربة الخضار إلى حياتى، فربما  يتعين علي المرء أحيانًا أن يبتعد عما يحب إذا ثبت له أنه يوقع الضرر عليه.