الخميس، 2 مارس 2017

بلوتو الدور الرابع 19- أشياء من هذا القبيل

عزيزى على، 
                صديقى الفضائى الذى باتت استهلالات خطاباتى له مستهلكة تمامًا لاستخدامى نفس الوصف فيها دومًا..سواء بنفس الكلمات، أو بنفس المعنى مع اختلاف الكلمات: "صديقى القريب جدًا بعكس ما تُقره المسافات"، ليس فقرًا فى خيالي، ولا افتقارًا إلي التراكيب اللغوية، لكننى استخدم نفس الوصف بقدر ما أشعر أنه حقيقة، لذا فعليك أن تعتاد التعبير، ألا يقولون عليك الحذر ممن يجيد الكلام، أتمنى أن يشفع لى ذلك فى ثبات ما أصفك به فتأمننى، ربما لا أجيد مناداتك فى كل مرة بتعبيرات جديدة، لكن ثق أننى إن كنت أقدم القليل، فقليلى صادق، وبالصدق يزداد القليل.
   كيف حالك يا صديقى؟ كيف مرت عليك تلك الشهور التى انقطعنا فيها عن التراسل، أو بالأحري انقطعت فيها عن مراسلتك؟ 


توالت خلال تلك الفترة عدة أنباء تتعلق بالفضاء، بين اكتشاف كواكب جديدة صالحة للعيش، وبين رحلات ناجحة للفضاء، وأشياء من هذا القبيل، قفز إلى ذهنى كالعادة عند سماع أخبار مماثلة أنه ربما يمكننا أن نلتقى، ربما يخدمنا العلم الحديث فيجعل رحلة إلى بلوتو أسرع من مشوار عبر كوبرى أكتوبر، لا أخفيك يا صديقى أن الفكرة ربما تخيفنى أحيانًا، أخاف  أن التقيك فيخيب ظنى عنك، ألا أجدك كما رسمتك فى مخيلتى، ماذا إن لم تكن طيب كــ E.T الذى أخبرتك من قبل أننى أتصورك تشبهه؟ ماذا لو أنك لم تكن مثلك كما أنت مستقر فى ذهنى؟ هل تعتقد يا صديقى أن بالفعل الأشياء تكتسب جمالها بالقدر الذى "نظنها" جميلة بقدره، وأن الأشياء الجميلة جميلة فقط لأننا نصّر أن نراها كذلك، فيكون جمالها ماهو فى حقيقته إلا إنعكاسًا للمعنى الموجود بداخلنا عنها؟

ربما.. ربما نضفى بالفعل صورة ملحمية عن بعض الأشياء والأشخاص ممن يعنوا لنا الكثير، ولا أظنه فعل ساذج فى المطلق، بل ربما  هو سر من أسرار الكون الذى يجعل هناك رابطًا سحريًا موصولاً بينك وبين أشياء أو أشخاص بعينهم، فترى فيهم شيئًا جميلاً قد لا يراه غيرك، بل قد لايروه  هم فى أنفسهم .

اعتقد أن المهم يا صديقى هى ألا تكن تصوراتنا خيالية، وأن تكن لدينا القدرة على تحجيم جموحنا، وأن تتماس تصوراتنا الخيالية مع الواقع، فلا نتركها تنمو بمعزل عنه،  وبنفس قدر الأهمية أظن أنه من الضرورى أيضًا ألا نظلم الآخرين بتصوراتنا المبالغة  التى نصيغها بشأنهم، أن نتذكر أنهم في النهاية بشر..يسيئون التصرف.. يجانبهم الصواب.. تتملكهم حالات مزاجية متقلبة، وأشياء  أخري من هذا القبيل، ربما حينها فقط نجد سلاسة ما تغلف علاقاتنا وتجعلها أيسر، يذكرنى الأمر بمنشور طالعته على فيس بوك قال صاحبه: " لا تعاتب الدنيا يا صديقى على إسرافك فى التوقعات" ..وأود لو بإمكانى أن أضيف عليه : " ولا تظلم الآخرين بتصوراتك المبالغ فيها بشأنهم"، وإن كنت تسأل فى ذهنك كيف يكون هذا ظلم للآخرين، فدعنى أجيبك بأن تصوراتك المسبقة عن الغير  حينما لا تجدها تطابق ما رسمته أنت فى خيالك‘ فإنك حينها تغفل عن رؤية الجميل فيهم، لأنك فقط تبحث عن جميل محدد صغته مسبقًا فى مخيلتك، فتكن النتيجة الحتمية  أن تصاب بخذلان لا يلاموا عليه، ولا يسألوا عنه.

قد يكون تفنيدى لكل هذا يا صديقى محاولة منى لترديد ذلك على نفسى بصوت عالى حتى أتغلب على خوفى من الفكرة، لكننى حينما أتيقن من أننى قادرة على إخبارك بما أخافه..تتسلل إلى قلبى سكينة ما .. وبعض الاطمئنان..وأشياء من هذا القبيل.

دمت بعيدًا عما يصيبك بالخوف يا صديقى.. وقادرًا على احتواء مخاوفك.
                                                               من كوكب الأرض.. مع تحياتى،،