السبت، 23 أغسطس 2014

اكتفاء ذاتى

يُقال أن المرء  يكتشف نفسه شخصياً بمرور الوقت..


تتقدم بك السنوات فتصبح أكثر قرباً من ذاتك،أكثر قدرة على التمييز بين ما تشتهيه و ما تشتهى أن يكون بينك و بينه مسافات بحجم هذا الكون ..


صحيح قد تعجز كثيراً عن أن تكون فعلياً كما ترسم فى مخيلتك تماماً..لكن على الأقل تكتسب تلك القدرة على التمييز مع الوقت ..تكون محظوظ جداً إذا كان لك نفساً طويلاً  للسير ضد المألوف؛ لتنتشل نفسك من الإطار المرسوم لك ..ذلك الإطار الذى شببت و لنفسك فيه مكان دون تدخل صريح منك،،تكون محظوظ جداً إذا كان لك نفساً طويلاً  للسير ضد المألوف؛لتضع نفسك فى ذلك الإطار الجميل الذى يداعب خيالك بعد أن أعلنت نفسك عن نفسها..بعد أن أكتشفت لنفسك صوت ..و لوجودك صيغة ..صحيح أيضاً أنها قد لا تكون هى الصيغة المعتادة حولك.. غالباً لا تكون هى الصيغة المعتادة حولك..و لذلك فجميعنا يعانى..جميعنا مرهق ..جميعنا جزء من ذلك الصراع بين صيغة يتمناها ..و صيغة يعتادها محيطه الإجتماعى .


ربما قد يكون الرابط بين تلك الديباجة و بين  ما سأقوله الآن ساذج للغاية ..و لكن ..ثمة رابط بينهما ..ربما  الرابط هو بعض الاكتشافات  التى أدهشتنى أنا شخصياً من نفسى ..


" عايزة أجيب ماكينة خياطة..اه والله  " 


تخيل معى ..ماكينة خياطة صغيرة تُغنينى عن تلك المشاوير ثقيلة الوقع على قلبى لإجراء تعديلات على ملابسى عند عم عبده الترزى ..لا عداء شخصى بينى و بين عم عبده ..بل على العكس أجده شخص طيب ..و لكن مؤخراً  صار تركيزه منقوصاً لدرجة تكلفنى وقت و فلوس أيضاً..أترك لديه بعض قطع الملابس ..اشرح له تفصيلاً ما أريد إدخاله عليها من تعديلات..يطلب منى المرور بعد وقت معين..أمر عليه بعد ما حدده لى من وقت لأضمن أن يكون قد أنتهى ...أمر عليه فلا أجده قد بدأ فى حياكة ملابسى من الأساس..يعتذر و يبدأ فيها على عجل..أتذمر و أخفى تذمرى عنه..آخذ ملابسى و أعود إلى منزلى فلا أجده قد نفّذ المطلوب..أتمتم  بضحر " أومال خدت الفلوس ليه يا عم ...عبده ! " 


ستنتهى مشاويرى البائسة لعم عبده..سأوفر تلك المَبالغ التى يتقضاها و التى أظنها مُبالغ فيها بعض الشىء..سأفرح..أعلم أنى سأفرح بتلك الإنتصارات الساذجة الصغيرة كأن أعيد تضييق بلوزة ..أو تقصير بنطلون..ربما سأندمج مع ماكينتى و أبدأ فى التفصيل ..و لم لا..ربما سأحيك لى و لصديقاتى فساتين مزركشة مبهجة ..


يتسلل إلى مخيلتى مشهد " ذات/ نيللى كريم " وهى تجلس على ماكينتها باندماج شديد بينما أمام التليفزيون يجتمع أفراد أسرتها فى ليلة عائلية دافئة ..أتذكر زوجها "عبد المجيد / باسم سمرة" ،وهو يصيح فيها  متهماً إياها بإنفاق أموالها على ما لا طائل من وراءه بعد شرائها للماكينة ..


ابتسم ..أظن أننى الآن فهمت ذات..فهمت ذلك الشعور الأنثوى البحث الذى يتملك نفوسنا نحن الإناث عند الشعور بأننا قادرات و أننا لا نحتاج لغيرنا ..لا يعوزنا شىء من غيرنا..لا من عم عبده و لا من الحوجة لعبد المجيد .. ذلك الشعور الرائع بالقدرة ..مهما كانت تلك القدرة تتعلق بشىء ساذج.. تافه ..حتى و إن كان ذلك فى صورة ماكينة خياطة تحقق لنا الإكتفاء الذاتى و تغنينا عن الإحتياج..


 المسألة بالنسبة لى قطعاً أكبر من عم عبده و مشاويره البائسة.. المسألة ربما نفسية جداً..إحساسك بأنك قادر على السيطرة على  أمور حياتك التى تحتاج للتعديلات..تماماً تماماً كذلك الإحساس الجنونى أيضاً بتنفيسى عن غضبى و إحباطى بإعداد وجبة ما..حلوى على الأغلب ..تنفلت منى الأمور ..فأحضر مستلزمات الطبخ ..أحكم سيطرتى على وصفتى ..أجيدها و أتمكن منها..ينتهى اليوم بإنتصار أحمق صغير ..كيك شيكولاتة أو تشيز كيك غالباً..أبتسم لشكل الكيك المنمق..أخبر نفسى أن كل شىء على ما يرام.. .و أننى كما أعدت تشكيل المكونات و نقلتها من صورة لأخرى ..ربما سأعيد السيطرة على الأمور و أنقلها من صورة لأخرى..أتمتم لذاتى: ..اهدئى..مازلتِ قادرة على السيطرة .