السبت، 7 فبراير 2015

بلوتو الدور الرابع 12 - مسودة

أربعة شهور مرت على خطابى الأخير لك، وأحداث كثيرة مرت خلال الشهور الأربعة، وتغيرات جسام نالت منى ، وكنت أنت حاضر فى كل ذلك رغم المسافات.. وتعقيدات الجغرافيا ..وطلاسم الحسابات الفلكية ، بين هنا وهناك، بينى وبينك.


صديقى على ..عزيزى الفضائى الحاضر دائماً حضور يطغى على وحشة المسافات

كيف حالك يا صديقى ؟ 


انشغلت كثيراً عنك..وانشغلت كثيراً بك ..ولا أعلم إن كنت ستصدقنى أن الانشغالان تلازما طوال الوقت ،عنك وبك  ..كنت أتخيل فى عز انشغالى ، كيف سأقص عليك ما أواجه ؟ كيف سأرتب الكلام و من أين أبدأ حتى لا تفوتك تفاصيل ما أمر به ؟

كنت معى فى كل تلك الأشياء ..فى خلفية عقلى..هناك فى تلك النقطة الكامنة فى أغوار رأسى، أفسحت لك تلك المساحة لتستقر فيها فصرت أصطحبك معى فى كل مكان وأشركك معى فى كل الأشياء.


ربما كان يزعجنى فى البداية وجودك الطاغى على كل الأشياء وكل التفاصيل ، ثم أصبحت أتجاهل انزعاجى هذا ، تماماً تماماً كما تجاهل راسل كرو أصدقائه الخيالين فى فيلمه العبقرى  A beautiful mind.. كان علىّ أيضاً أن أتجاهل وجودك وأقبل به فى الوقت ذاته لأتمكن من المواصلة .

 

ربما لا تفهم ما أعنى تحديداً ، فدعك من ذلك ، ولا تشغل بالك حتى بعمل " سيرش" عما أقول بواسطة سيرفرات رأسك؛ لتتمكن من فهمه كما اتفقنا مسبقاً ، هى ليست تفصيلة أرضية لتبحث عنها وتتمكن أنت الفضائى من فهمها،هى تفصيلة نفسية يا صديقى ..ولا أظن أن تكنولوجيا بلوتو وصلت بكم بالبحث فى ثنايا وخبايا المرء ، وأحمد الله كثيراً على ذلك فى الواقع .

 لذا لن أقصص عليك كل ما فات..لأننى أشعر أنك كنت فيه، ومن العبث أن أعيد عليك ما شاركتنى فيه،أشعر أنك تعلمه..بل تعلمه جيداً !

المهم ..

أجد صعوبة بالغة يا صديقى فى ممارسة روتينى المعتاد..بل وفى ممارسة أحب الأشياء إلى قلبى ..لا أستطع التعاطى مع عالمى كما هو المعتاد منى ، ربما سيزيل بعضاً من احتقانك تجاهى إن أخبرتك أننى حاولت الكتابة لك كثيراً ، وكانت كل المحاولات تنتهى بمسودة ..أنظر لها وأشعر بشىء من الإشمئزاز..ما هذه الترهات التى تكتبينها ؟ 

أشترى كتباً كثيرة ..فتملؤنى تلك البهجة الحمقاء وأنا أتنقل بين أرفف تلك المكتبة التى اعتدت الشراء منها، ويملؤنى شعور عظيم بالانتصار فى تلك اللحظة التى أخرج فيها من المكتبة حاملة لتلك الحقيبة الشفافة ذات الخطوط الخضراء وبها ثلاثة أو أربعة كتب ..انتصار على الاحباط على الأرجح .

ثم أجد صعوبة بالغة فى البدء فى القراءة ..وصعوبة بالغة فى استكمال ما بدأت  قراءته ..وصعوبة بالغة فى فهم كل ذلك التكاسل فى فعل تلك الأشياء المحببة إلى قلبى . 


أشعر بالوحشة من الناس ..لم يعد وجودى بينهم يؤنسنى ، اُجابه ذلك الإحساس السخيف بأننى أصبحت سخيفة ، أجبر نفسى على الإنخراط مع الأخرين..

ثم أجد صعوبة بالغة فى الاستمتاع بالوقت ..مجرد وقت عادى ..عادى للغاية ، بل و أفكر أنه ربما إذا كنت بمفردى خلال هذا الوقت لكان استمتاعى أكبر ..صرت أستمتع بالوحدة يا صديقى ..وهو أمر أندهش منه تماماً !

  

أصمت ..أصمت كثيراً ..كثيراً جداً يا صديقى .. 

ربما لا أعرف ماذا أضيف أيضاً على خطابى ..ربما أجد حتى صعوبة بالغة فى الكتابة .. 

لكننى فقط أردت ألا أطيل فترة انقطاعى عنك لمدة أطول من ذلك ..لذا لن أقرأ ما كتبت لتنقيحه قبل إرساله لك ..لأننى بالقطع وقتها لن أرسله ، لذا فأرجوك سامحنى إن كان خطابى بعد انقطاع أربعة أشهر مخيباً لآمالك، واعتذر إن كان خطابى به شىء من الطاقة السلبية ، وإن وجدته بمثابة مسودة تثير اشمئزازك ..فتذكر أن للصديق حق على صديقه بتحمله فى كل حالاته، وأرجو ألا يؤثر ذلك على قرار زيارتك لكوكبنا ، فمازلت أنتظر هذا القرار ..وهذه الزيارة.


من كوكب الأرض
                  
                        مع تحياتى ،،