الخميس، 31 يناير 2013



أنا وهى وويلسون 


عزيزتى مديرة تحرير المجلة التى تبنت مشروعى للكتابة ووعدتنى بالنشر على صفحاتها ثم أختفت من حياتى..
بعد السلام و التحية


 أكتب لك اليوم لا لأعاتبك على طريقتك غير المسئولة فى إنهاء المشروع الذى وضعنا تفاصيله معا ً ..فقد أعتدت مثل هذه التصرفات الصبيانية السخيفة التى تصدر ممن يفترض انهم شخصيات ناضجة..فى الواقع اندهشت بعض الشىء لعدم قدرتك على المواجهة و لكن ثمة شعور كان يراودنى من البداية انك شخصية " نص كم "، و هو ما ساعدنى على إجتياز الأمر سريعا.


أعلم انك حاليا ترتشفين فنجان القهوة و أنت تطالعين بريدك ،، بينما تختلسين بعض النظرات لمراقبة ملابس من حولك..حتى فى عز إنشغالك كنت تداومين على مثل هذه العادة السخيفة..أعذرينى إن كان أسلوبى فظاً بعض الشىء ..فى الواقع لقد مررت بيوم سىء..كانت بدايته تعطل حافلة الأتوبيس أمام جريدتك..لا أقصد أن السىء هنا تعطل الحافلة ..و لكننى قطعا ً أقصد مصادفة أن أجد نفسى فجأة أمام هذا المكان مرة أخرى..ربما لهذا قررت أن أكتب لك !


هل تعرفين هذه الأيام التى تتداخل تفاصيلها لحد مربك..لقد كان يومى مربك " و مكركب " فى الواقع..ربما بدأ يومى فى الليلة السابقة..فى اللحظة التى قررت فيها أن أضبط منبه هاتفى المحمول ،وبدلا ً من أن تتجه أصابعى نحو المنبه أتجهت نحو الألة الحاسبة ..أخذت أنظر للأرقام و أنا لا أدرى ما المفترض أن يحدث فى الخطوة التالية..
حوالى سبع ثوانى مرت إلى أن تنبهت أننى كنت أقصد ضبط المنبه..ضبطه و أدركت أنه لا داعى لمزيد من التأجيل.. ينبغى على مراجعة الطبيب بعد أن أصبح فقدانى للتركيز يغلب على كثير من تصرفاتى مؤخرا..طبعا لا داعى هنا لذكر أننى بعد أن أنهيت إعداد الطعام لم أدخله الفرن الا بعد خروجى من المطبخ و تنبهى للأمر و عودتى مرة أخرى لألقى بصينية البشاميل فى الفرن ..بالمناسبة أمسكت صينية البشاميل بعد نضجها بيدى مباشرة و هى ساخنة..


لا لم تتأذى يدى بالشكل الكبير..بالله عليكِ كفى عن مقاطعتك الكثيرة لى ودعينى أكمل لك خطابى..دعينى أدخل فى صلب الموضوع  وابتعدى قليلا عن ممارسة عاداتك السخيفة الآن.


المهم..أيقظنى الموبايل فى اليوم التالى ..تناولت إفطارا سريعا وذهبت لموقف الحافلات..هل تعلمين من قابلت؟ ..قابلت ندى ..نعم ندى جميلة جميلات مدرستى الإعدادية ..المدهش أننا شاهدنا بعضنا البعض وسريعا ً تظاهرت كلأ منا أنها لم ترى الأخرى..نعم " استهبلنا أحنا الأتنين"..لم تتغير كثيراُ..مازال وجهها ناعم التفاصيل..هل تعتقدين أنها أيضا ترى أننى لم أتغير كثيرا ً ؟ ..وماذا لو كنت تغيرت بعض الشىء أو كثيراً حتى..أليس من المفترض أصلا أن تتغير ملامحنا كما يتغير كل شىء حولنا ؟!


استقللنا الحافلة وكلتانا فى أقصى درجات الاستهبال والحذر من ألا تتلاقى العيون مجددا ً..وكل ما سيطر على تفكيرى وقتها لماذا لا نصافح بعض..لا أقصد ندى تحديدا و لكن فى العموم تكرر الموقف عدة مرات معى مع شخصيات مختلفة..الغريب أنها شخصيات لم يكن بيننا فى يوم خلاف ما حتى " نستعبط " حين نلتقى صدفة..هل تعتقدين أننا نتجنب الأحاديث الإجتماعية السخيفة التى تدور حول " أه ..و أنتى إيه أخبارك / الحمد لله/ ها..بتشتغلى فين دلوفتى " إلى أخر ذلك من الكلام فاقد الروح؟ أم  أننا نتجنب أن نظهر بكل هذه السخافة التى طبعتها الحياة على وجوهنا فنفضل التظاهر بأننا لم نرى بعض؟ أم أنه أنتهت علاقتنا بالمكان الذى كان يجمعنا فعلى علاقتنا أيضا أن تنتهى..يا الله هل تعتقدى أننا أصبحنا عمليين " وخلقنا ضيق " لهذه الدرجة ؟!


تعطلت الحافلة أمام جريدتك..نزل جميع الركاب للبحث عن وسيلة مواصلات أخرى..تاهت ندى فى الزحام بعد أن ملأ ظهورها فى يومى رأسى بكل هذه الأسئلة..

لا أخفيك سراً حينما أخبرك أن المزعج فى وقوفى أمام الجريدة لم يكن ذكرياتى السخيفة معك أو مع بعض هؤلاء الحمقى ممن يعملون فيها..لا..ففكرة العمل معكم فى حد ذاتها تجاوزتها سريعاُ..كان لابد أن تنتهى أصلا ً..


ما لم أتجاوزه بشكل كامل إلى الآن..هو بعض الأوقات الجميلة التى عايشتها هناك..أخبرتك من قبل أننى شديدة الارتباط بألاماكن والأشخاص  حتى وإن لم يبدو أننى كذلك..ولكن تلك هى مآساتى..ثمة حياة فى يوم من الأيام كانت لى هناك..اندهش الأن أننى كنت أقف اليوم على بعد مسافات من حياة كاملة عشتها..
وحتى أكون واضحة ولا تظنين بفكرك المحدود أننى أراسلك استجداءاً لإكمال مشروعنا، وجب التأكيد  أنك قد أسديتنيى معروفاً بفعلتك الحمقاء وإنهائك مشروعنا..كان لابد أن أترك هذا المكان لأنه لم يكن يشبهنى ..و لكننى لا أعلم لماذا لم أجرؤ على إتخاذ هذه الخطوة..ربما كنت أخشى أن أكون "جبانة"..ربما قررت أن أكمل لأخر نفس حتى لا أظهر أمام نفسى " نفَسى قصير "..هل تفهمين ما أقصد؟


المهم.. حتى هذه اللحظة لم أكن أربط تفاصيل اليوم ببعضها البعض..لم أحاول أن أربط مقابلة ندا..بالأتوبيس الذى قررت أن أستقله تحديداً فى هذا اليوم رغم أنه لم يكن وسيلتى المعتادة..ولا بالتعطل فجأة  عند جريدتك تحديدا ً رغم أنه كان " ماشى رهوان "، ولكن ما أدهشنى وأربكنى حقاً ، التاكسى الذى استقللته بعد ذلك لإكمال مشوارى..كيف لكل الأغنيات التى قام بتشغيلها السائق أن تكون هى أكثر الأغنيات التى تبعث علىّ البهجة..يا الله كأنها خدمة " مشوارك على ذوقك " أو كأنها لقطة من فيلم " ترومان شو" .. كأنه يعلم تماما ً من أنا..بماذا تفسرين إذا ً تجاوزه لتلك الأغنية التى لا أحبها؟، حتى أنها حينما بدأت نظر لى فى المرآة وابتسم قائلاً: " ملهاش لزمة دى " !


تضحكين الآن  ضحكتك السخيفة ساخرة منى ..أليس كذلك ؟! هذا لأنك أصلا ً شخصية جافة لا تجيد الاستماع لأوجاع الغير ..نعم أوجاع..لأنك لا تعلمين أن هذه الأغنيات كنت أسمعها معهم..نعم ..سافروا الآن..أنشغلوا قليلا ً لذا لم يبق لنا سوى تلك الذكريات المبهجة الموجعة ..أوأخبرك شيئا ً..دعينى من تلك النقطة لأن فكرك المحدود لن يستوعبها أساساً، لن تفهمى أننى أفتقدهم، وأننى لم أقاوم دموعى وقت أن استمعت لهذه الأغانى، أو أنها أيقظت حاجتى للضحك والبهجة..معهم تحديداً، وأن البهجة بعيدا عنهم منقوصة والضحكة باهتة..كل ذلك لن تفهميه..لذلك دعينى أتجاوز تلك النقطة.


     نزلت من التاكسى وتوجهت لتلك البناية الحكومية المزدحمة ، كان على أن أنهى بعض الأوراق التى طالما أجلت الانتهاء منها تجنباً للاحتكاك بالروتين الحكومى البائس ، تماماً مثل أشياء كثيرة أؤجلها إلى أن أنسى أننى يوما ً فكرت فيها، تحملت الوقوف فى هذا الطابور الطويل وحوارات " الفذلكة " التى درات فيه، تماما ً مثل فذلكة بعض أقاربى، فقد " أستلمتنى " إحداهن وأخذت تسرد لى بطولتها فى إنهاء كافة الإجراءات السابقة ، وكيف أن أحد الموظفين حاول تعطيل إجراءاتها إلا أنها تصدت له بشخصيتها الفطنة، و" خلت اللى ما يشترى يتفرج عليه " ..


بالقطع لن أسرد لكِ بقية التفاصيل لأننى أصلا ً لم أسمعها، كنت أتظاهر بالاستماع،تماما  ً مثلما أفعل مع الكثيرين مؤخرا ً، لا لأن حكاياتهم سخيفة مثل حكاياتك، وإنما لأنهم لا يلاحظون أننى غير مستعدة للاستماع..هل تعرفين تلك اللقطة العبقرية فى فيلم أحمد حلمى " أنا حياتى اتحولت لراديو بسمع بس "، يدهشنى أن معظم المحادثات التى أكون طرفا ً فيها تكون أحادية الجانب..إرسال فقط، هل تعلمين أننى مع الوقت أصلا ً فقدت الرغبة فى الكلام، والجديد فى الاستماع أيضا ً.

توقفت كثيرا ً أمام صورة بطاقتى وأنا أعطيها للموظف، لماذا عابسة الوجه هكذا؟ لا أذكر وقتها أننى كنت منزعجة لتلك الدرجة المطبوعة على وجهى فى الصورة، أقسم لك أننى أذكر أنى كنت أبتسم وقتها، لماذا لم تظهر إبتسامتى؟ يا الله! كفى عن هذه الدراما،  "الشعب كله صورة بطاقته كدة"..أعلم أنك ترددين هذه الجملة الآن، ولكن ماذا إن كان الشعب كله هكذا..تسيطر عليه حالة شجن عامة، ولكن معك حق ، يجب أن أتوقف عن هذا التفكير الدرامى، مازال هناك إحتمال قائم بأن من يلتقط الصور شخصية تكره وظيفتها والناس أساسا ً.


أنهيت ما أريده هناك وأنا أود أن أسجد سجدة شكر لأننى أنجزت تلك المهمة المستحيلة، وقررت أن أعود للبيت سيرا ً على الأقدام، توقفت كثيرا ً عن تلك العادة التى تكسبنى نفسية أفضل، كانت الشمس  مختفية، إنه طقسى المفضل، ذّّكرنى بطقس البلد الذى طالما تمنيت زيارته، تعرفين تلك الرحلة التى حدثتك عنها يوما ً، حينما أخبرتك أننى إذا جمعت المبلغ الذى تتطلبه الرحلة لن تجدونى فى القاهرة، بالمناسبة استطعت إدخار المبلغ، كنت أظن أنه وصولا ً لهذه النقطة ستأخذنى الحماسة وأهرول نحو مكتب الطيران وأحجز تذكرتى وأبدأ الرحلة السعيدة،  ولكن لم يحدث ذلك..وجدت وقتها أن "خمسميت حاجة أولى تتعمل بالفلوس دى "، هل تدركين كم هو محبط هذا الإحساس؟ ..عموما  ً إلى ألان لم أنجز أى شىء من" الخمسميت حاجة" .


ببساطة يومى كان مركب لدرجة غير طبيعية، كل تفصيلة فيه كانت تعيدنى لشىء ما فى حياتى..لذكرى ما..أمنية ما، كانت الأفكار تتحرش برأسى بصورة مرعبة، أشعر أنه يجب على ً مراجعة طبيب لينظم لى فوضى أفكارى، هل تعتقدين أن ثمة تخصص بإمكانه فعل ذلك؟ كما فعلها جيم كارى وكيت وينسلت فى ذلك الفيلم حينما مسحا جزءا ً من ذاكرتهما، لكن أنا لا أود مسح أى جزء..ألم أخبرك أنى شديدة الإرتباط بالتفاصيل..فقط سأكون سعيدة بتنظيمها، فكثيراُ ما أشعر بالإنهاك الجسدى من فوضى الأفكار فى رأسى.


لماذا كتبت لك أنت تحديداً؟ بقى فقط أن أخبرك عن هذه النقطة.. صدقينى أنا أيضاً لا أعرف، لكن هل تعرفين فيلم توم هانكس حينما سقطت طائرته فى تلك الجزيرة وعاش فيها وحيدا ً أربع سنوات؟ ، وقتها أختلق صديقا ً يحاوره: ويلسون..الكرة ويلسون، صديق يعلم تماما ً أنه لا يسمعه أساسا ً ولن يفهمه، ربما هى فكرة أشبه بذلك، لأننى أعرف أنه إذا وصلك هذا الخطاب فبمجرد أن تجدى اسمى عليه لن تقرئيه، هى فكرة أشبه بأن  تحكى كل ما فى صدرك لشخص أصم!