الأحد، 22 فبراير 2015

أثقل من رضوى

ربما ما رسمته فى مخيلتى مناهج التعليم البائسة على مر سنوات الدراسة أن القدوة أو الشخص الناجح الذى يُحتذى به هو بالضرورة مخترع ما، شخص نابغة فى دراسته..يرتدى نظارة طبية مقعرة وفاشل اجتماعياً لأنه يقضى وقته فى مطالعة الكتب أو فى إضافة مركبات إلى بعضها البعض فى المعمل عبر تلك الأنابيب الزجاجية الضيقة ، أحاول التطبيق على أرض الواقع فلا أجد حولى مخترعين اللهم باستثناء بعض الأشخاص - من المنوفية على الأغلب- ولكنى لا استطيع التوحد معهم إطلاقاً أو اعتبارهم نموذج يمكن للمرء التطلع إليه، فينتابنى بعض التيه بين ما تلقنك إياه الكتب، وما تقدمه لك الحياة.


أفكر كثيراً حينما أواجه مشكلة ما ، لماذا لا أقابل الشخص العجوز الحكيم ، ذا الشعر الأبيض الطويل كما تصوره الأفلام عادةً، ذلك الشخص الذى يظهر لك فى ذروة أحداث حياتك ويصاحبه الدخان الكثيف من كل جانب ، تمهيداً للحظة  التنوير التى ينتهى فيها تشابك وتعقيد الأحداث بعدما يلهمك ذلك الحكيم بعبارات رنانة تجد فيها حل كل مشاكلك ، أنظر حولى دائماً ولا أجد أكثر حكمة من شخص مجنون يسير فى الشارع محدثاً نفسه، أو متحدثاً إلى خلق الله، بعبارات بالفعل تلمس قلبك وروحك، وتستجديك لأن تسير وراءه فى الشوارع لتتحول إلى واحداً من مريديه لتنهل من عباراته العاقلة التى يتفوه بها ذلك المجنون..أقف أمام تلك الحقيقة، فأجد الفارق بين  ما تصدره لنا السينما تحديداً ، وما تصفعنا به الحياة..شاسعاً.


ربما عبرت هند صبرى بحرفية شديدة عن أمر مشابه، فى ذلك الفيلم بقولها : " زمان كنت فاكرة إن الحب دة حاجة كبيرة أوى ، زى إنك تقف قدام اللى بتحبه وتاخد رصاصة مكانه مثلاً، بعدين لما كبرت عرفت إن الحب أبسط من كدة بكتير " ، فاستفر فى ذهنى أن معظم ما يختلط فى رؤوسنا من مفاهيم و معتقدات ، هى فى حقيقتها أبسط ..أبسط بكثير مما نتصوره، فربما الشخص الذى تستمد منه حكمة حياتية ما، ليس فى حقيقته حكيماً بلا أخطاء يمتلك مفاتيح الإجابة على كل شىء، وليس مَن بإمكانه أن يتحول لنموذج يُحتذى به هو بالضرورة شخصاً ناجحا ً فى حياته ذلك النجاح المبهر..فالمسألة بالفعل أبسط من ذلك بكثير، وعادةً هذه الشخصية الملهمة فى حياتك ،لا تتركز فى شخص واحد من الأساس، وإنما تتوزع على أشخاص كثيرة فى مراحل حياتك المختلفة، فتأخذ من كل شخص ما يضيف إلى رصيدك الحياتى، بما تجده فى قصته من أمور تجعلك تتوحد معه حياتياً.


استناداً على ماسبق ، عزيزتى رضوى ..أنتِ واحدة من هولاء الذين أضفوا على حياتى معنى جديد ، وربما أنا مدينة لكِ  أولاً بشكر عميق وامتنان صادق، على كل تلك الأوقات التى تنتشيلينى فيها من اكتئاب محقق، فتجعلى روحى أكثر خفة بعدما تحرريها مما يُثقلها، لا بتقديمك حلول ..ولا بأعمال بطولية، وإنما بتلك الأفعال البسيطة الدافئة، كأن تصطحبينى بسيارتك للتحدث قليلاً..ثم لتسمعيننى تلك البلاى ليست التى أعددتيها لنستمع لها سوياً، فيأخذنا الحديث للبحث فى معانى تلك الأغانى وتحليلها وتحليل ما جاء بها من قصص، ثم يتسع الحديث ليمتد للحياة عموماً وما بها من قصص، هذا بغض النظر عن عدم فهمنا الدقيق حتى هذه اللحظة لأغنية "سيرة الأراجوز"، أو "علقت نفسك بيا ليه"، رغم اجتهادنا فى تحليلهما.


أشكرك على كل مرة أجلستينى فيها على الرصيف ، وعلى كل مرة  اصطحبتينى فيها لمكان ما لمجرد أننى أخبرتك فى مرة سابقة أننى أود الذهاب إلى هناك، مازلت أتذكر تلك المرة التى جلسنا فيها على الأرض فى تلك الحديقة ..وتلك المرة التى جلسنا فيها على درجات تلك البناية لنتحدث حديثاً ساذجاً عن النجوم ونحن معلقين رؤوسنا فى السماء كالبلهاء، لينتهى الأمر بغنائنا سوياً لمحمد منير و حميد الشاعرى ..أشكرك على كل مرة  جعلتينى أغنى معك فى السيارة بصوت عالى أغانى عمرو دياب القديمة ..ربما سأشكرك أيضاً على تلك المرة التى سألتنيى فيها هل تودين ركوب دراجة..فأجبتك نعم، لأجدك تنادي على ذلك الفتى الصغير لتستعيرى دراجته..وأحمد الله أن الفتى لم يسمعك حفاظاً على ماء وجهنا..وأذكر أننى وقفت مذهولة من جنونك حينها..

أعلم جيداً أننى إذا أخبرتك فى يوم ما أننى أرغب فى الاتجاه للصحراء الشرقية لمعاينة نوع الرمال هناك، أو السفر لشلاتين لشراء كراسة مربعات، سأجد فيكِ خير مشجع وداعم ، بل و رفيق أيضاً.


أما بعد الشكر ، فقد تعلمت منك يا صديقتى أن على الحياة أن تجد لأرواحنا سبيلاً رغم قسوة ما نواجه،، أعلم وتعلمين جيداً أنكِ ربما واجهتى ظروفاً ليست بهينة..ثقيلة ..أثقل من جسدك الصغير ، لكنك كنتِ دائماً الفائزة فى النهاية ..وربما هذا ما لا تعلميه و تشككين فيه دائماً ..ربما تواجهين ما هو أثقل من رضوى،، لكنك تنتصرين عليه بنفس محبة للحياة وروح خفيفة ..تُدهشنى حقاً :)


** العنوان مستلهم من رواية الكاتبة الراحلة رضوى عاشور ، التى تحمل نفس الاسم.