الاثنين، 7 مارس 2016

بوسطة 2 - منة عبد الحميد

عزيزتى منة :


 منذ الأمس وأنتِ تحتلين مساحة كبيرة فى رأسى بصورة لا أعلم لها دلالة أو مغزى محدد، أفكر فيك ثم أتوقف ثم أعاود التفكير، انشغل ببعض الشئون الحياتية، ثم أنشغل بك، إلى أن قررت أن أكتب لكِ فى إطار طقس كتابة الخطابات الذى بدأته مؤخرًا؛ لولعى الشديد بالخطابات من جانب، ولأنها فعليًا صارت وسيلتى الوحيدة الآن فى التواصل معك، بعد جملة ظروف منعتك تارة عن الكلام، ومنعتنى تارة أخرى من الأمر ذاته.


ربما طللتِ بشدة على رأسى مؤخرًا؛ لأن فكرة ما أحسبها قد تماست بينى وبينك فى الوقت نفسه، دعينى أشرحها لك يا صديقتى، فربما أصيب التفسير..تفسير الفكرة، وتفسير احتلالك لرأسى:


يحدث أحيانًا يا صديقتى أن تكون ردود الفعل أضخم مما يتطلبه الفعل نفسه، يجد المرء نفسه فجأة يستجيب بشكل عنيف في موقف لا يستدعى أبدًا تلك الاستجابة، ينتفض بشدة تجاه أمور يمكن في النهاية تصنيفها على أنها متكررة.

 والعنف يا صديقتى لا يعنى بالضرورة العدائية، وإنما فقط يعنى التدخل القوى من جانبه، كأن يختار المرء الانعزال التام عن كل من يعرفهم بمن فيهم من يألفهم حتى، أن يختار الصمت لغة لا يعرف سواها للتعامل مع كل المعطيات حوله.


هكذا نتصور يا عزيزتى..هكذا فقط نتصور.


نظن بتقييم نظرى من جانبنا أن رد الفعل مبالغ فيه وضخم، فى حين انه لا يكون هكذا أبدًا، كل ما فى الأمر أنه رد فعل طبيعى جدًا، لكنه فى غير موضعه لا أكثر،  وأحيانًا نحتاج رغمًا عنا ردود فعل قوية عنيفة وقاسية كهذه؛ لتحررنا من وطأة الضغوط، وتطهر أرواحنا من أثقال تُرهقها، ولم نفسح لها المجال للخروج من داخلنا، وقت كان ينبغى علينا أن نفعل، صمدنا فى أوقات لا تحتمل الصمود، لننهار فى أوقات لا تستحق الانهيار.


 هل تعرفى يا صديقتى ما يُقال عن أن أى انفصال بين اثنين لا يكون عادةً بشأن الخلاف الأخير، وإنما يكون لجملة خلافات طويلة قد يصدف أن أكثرها تفاهة آخرها، فتنتهى القصة برمتها،  ويظن الآخرون أن قصة كاملة انتهت بفعل أمر ساذج، بينما هى فعليًا قد انتهت بفعل عدة أمور جوهرية.. لا أجد تشبيهًا أكثر دقة من هذا لما أود قوله، أظننا قد وقعنا  مؤخرًا يا صديقتى لا بشأن أكثر الأشياء تفاهة، وإنما لأننا لم ننفث عن ضغوطنا فى موضعها الصحيح وقت  كان ينبغى لنا أن نفعل، لا أعنى أبدًا  أنكِ قد أخطأت فى استجابتك الأخيرة أو أن اختيارك بالابتعاد  قليلَا عن كل المألوف كان مبالغًا فيه، أو أن أًسّفه مما دفعك لهذا الاختيار، لا أعنى ذلك أبدًا يا صديقتى، بل أتفهمه تمامًا، ولكن لسبب ما لدى شىء من القناعة بأن استجابتك تلك جاءت فى غير موضعها.


أعرف أنكِ كنت فى حاجة ماسة وبالغة للانزواء بنفسك قليلًا، اُقّدر المساحات الشخصية يا صديقتى واحترمها، وأقّدر أنكِ فى هذا التوقيت كنتِ فى أشد الحاجة لذلك، لكننى غير قادرة على حسم أنكِ قد اخترتِ ذلك لظروف أخيرة مررتى بها، أزعم يا صديقتى أن اختيارك  كان الجزء الأكبر منه هو أنكِ شخصية صبورة فى التعامل مع الأمور كافة.. طويلة النفّس مع الحياة.. تعاند الاستسلام للحزن، شخصية قاومت كثيرًا، إلى أن حان وقت أن تأخذ هدنة من كل شىء، ففعلتْ فى أول موقف يتيح لها ذلك بعد كثير من الصمود.


 ربما قد أكون أخطأت التشخيص، ربما كلامى هذا ما هو إلا تنظير فارغ، ولكن لأننى أعلم أن فى نفوسنا أنا وأنتِ شيئًا يتماس فى نقطة منه، فربما ينطبق تفسيرى هذا عليكِ أنت الأخرى كما انطبق علىَ مؤخرًا،  أريد فقط يا صديقتى أن أخبرك أن لنفوسنا علينا حق كما أبداننا، لذا فلتأخذى حق نفسكِ كاملًا، لن أردد عليكِ كل الصياغات المستهلكة التى نبتذلها فى التعامل مع أوقات هشاشتنا، خذى وقتك وأعيدِى شحن نفسك.. لتعودى مرة أخرى كما عهدى بك دائمًا : منة الصبورة فى التعامل مع الأمور كافة.. طويلة النفَس مع الحياة.. التى تعاند الاستسلام للحزن.


أما ختام خطابى فسيكون بما وودت أن أخبرك به من السطر الأول : افتقدك :)