الثلاثاء، 3 نوفمبر 2015

طعم الحاجات

يرن منبه هاتفى المحمول ليقطع ساعات نومى المتقطعة من الأساس ..


 صباحات متكررة أجدنى فيها مثقلة بعض الشىء،  أشعر كما لو أن عبء الليل الطويل الذى يهرب فيه المرء من بعض الأفكار ويراوغها وتراوغه يُسلمنى تسليم أهالى إلى عبء يوم مُسجى طويل يتعين على المرء مواجهته، ثم يتبادل اثناهما الضحك علىّ فى ضحكات متقطعة شريرة..بينما أقف أنا متعبة غير قادرة على الفرار أو المقاومة، فاستكين تمامًا لتلاعبهما بى.


أشرد بعض الشىء فأتذكر مقولة رضوى عاشور: " يبدو الذهاب إلى العمل، أو الخروج من البيت مهمة مستحيلة..أتحاشى الخروج ما أمكن..أتحاشى الناس، وأشعر بالوحشة لأننى بعيدة عنهم فى الوقت نفسه..لحظة استيقاظى من النوم هى الأصعب، حين أذهب إلى العمل وأنهمك فيه، يتراجع الخوف كأنه كان وهمًا، أو كأن حالتى فى الصباح لم تكن سوى هواجس وخيالات"* .

تطل على رأسى عبارة رضوى بكثرة مؤخرًا..وأحسبها منصفة إلى حد كبير فى التعبير عن حالة الصباح الرمادية التى تكرر سقوطى ضحية لها فى الآونة الأخيرة.


يحين موعد الذهاب للعمل ..أتلكأ كثيرًا، كما لو كنت سأضلل الوقت..كما لو أنى طفلة تراوغ فى الذهاب لطبيب الأطفال، أو تهرب من موعد اختبار فى المدرسة فتتمنى لو أن اليوم عطلة..لو أنه فقط لم يكن فى هذا اليوم مدرسة أو اختبار.


أتحجج بعض الشىء فأطيل الوقت المخصص لاحتساء مج النسكافيه الدافىء..يمكنى اختلاس بعض الدقائق للاستماع لبعض الموسيقى ربما، أنغام خيار مثالى لتلك الأيام الخريفية..أنغام خيارى المثالى فى كل الأيام على الأرجح.


تمتد يدى لأفتح خزانة ملابسى.. أقّلب بيدى أغراضى، ابتسم رغمًأ عنى حينما تأتى يدى على تلك الحقيبة التى أهدتنى إياها صديقة، لم نعد نلتقى كثيرًا، فلم تسنح لى الفرصة لأخبرها كم أنقذتنى هذه الحقيبة فى مناسبات عديدة، خاصةً مع حجمها الكبير..سافرت بها لقضاء أجازة الصيف..لملمت فيها أغراضى الخاصة التى كنت أخشى ضياعها وأنا انتقل لمسكن جديد.. استخدمتها يوم زفاف صديقة عمرى، تتسع ابتسامتى وأنا استدعى كل تلك المواقف التى شهدت الحقيبة عليها، وعاصرت حدوثها..الحقيبة ذات الدوائر الملونة..المبهجة.


أرتدى ملابسى بينما أردد مع أنغام بعض كلمات أغانيها..أندمج بعض الشىء فأنظر للمرآة وأغنى بأداء تمثيلى، ثم أدرك أننى سأتأخر، فأتوقف وأترك لأنغام المجال لاستكمال الأغنية وحدها.


ربما سأحتاج ملابس أثقل..بدأ الجو يبرد قليلًا، ويزعجنى حلْقى بعض الشىء مُحذرًا من احتمال إصابتى بنوبة أنفلونزا..أعيد فتح خزانتى..أبعثر ملابسى يمينًا ويسارًا بحثًا عن قطعة يمكن إضافتها لملابسى فى حال شعرت ببرودة الجو، ابتسم مرة أخرى متأثرة وأنا التقط ذلك الشال المحبب لقلبى..هدية صديقة الطفولة والشباب والعمر، ربما لم أخبرها أيضًا من قبل كم أنه يُدفئنى معنويًا قبل جسديًا..أهدتنى إياه حينما كنت أبحث عن شال لأبتاعه منذ سنتين، فالتقطت هى نيتى ثم سارعت بشراء واحدًا لى، لهذا يُدفئنى؛ لأنه يحيط جسدى باهتمامها، يبقى المعنى دومًا حاضرًا حتى وإن كانت تفصلنا الآن العديد من التفاصيل الجغرافية اللعينة.. ابتسم مرة أخرى..وأتأثر بشكل أعمق، ثم أغلق خزانتى.


أعيد تشغيل نفس الأغنية مرة أخرى، مع مشاركة سريعة لأنغام بالغناء، ثم استكمل ارتداء ملابسى أمام المرآة، التقط ساعة يدى من ذلك الدرج، فتقع عينى على عقدى الأسود ذا الحبات اللامعة..أهدتنى إياه أيضًا صديقتى المقربة فى زيارتها الأخيرة قبل السفر، أعاود الابتسام أو بالأحرى التصقت على شفاهى ابتسامة بلهاء عريضة ..وأنا اتجول بعينى بين أغراضى فاكتشف أن كثيرًا من أغراضى البسيطة المحببة لقلبى تم إهدائها لى من أصدقائى..هذا المج المزركش..تلك النوتة الرقيقة..القطع البلاستيكية الملونة المبهجة التى أميز بها صفحات الكتب التى أقرأها..بل ومجموعة الكتب تلك فى حد ذاتها كانت هدية.. المصباح الضوئى المفّرغ ليلقى بهذه الفراغات على  الحائط مًشّكلًا بظلها رسمًا أذوب فى أبعاده.


اشعر فى هذه اللحظة تمامًا أن غرفتى جميلة وأن أغراضى المتناثرة بها هنا وهناك لها طعم.. أشعر أن قلبى دافئًا..وأن أنغام صوتها صار أحلى.


أغلق غرفتى..اتجه لعملى..وأنا حقًا مبتهجة كما لو أننى محتفظة فى غرفتى بأصدقائى لا بهداياهم، أتذكر قول رسولنا الكريم : " تهادوا ..تحابوا"، فأتمتم: صدقت سيدى.


  

* الاقتباس من رواية " فرج".