الأربعاء، 5 أغسطس 2015

عشرة دقائق

كانت اللعبة تقتضى أن يختار ثلاثة أشياء تختفى من عالمه للأبد، على أن يكون الاختيار خلال عشرة دقائق فقط، وإلا يزول مفعول التعويذة..وتزول معها وللأبد فرصة أن ينعم بحياة خالية من بعض المنغصات..ثلاثة منغصات.

ارتبك كثيراً مع ضيق الوقت..كيف يمكن للإنسان أن يفاضل بين كل ما يعاني منه خلال دقائق قليلة فقط..فكر لوهلة أنه يمقت تردده وارتباكه..ربما ليس هنالك ما هو أكثر مقتًا وبغضاً من أن تقف فى منتصف المسافة دائمًا غير قادر على الحسم..لا تدرى هل تواصل المضى قُدمًا أم أن تشد الرحال بعيدًا على طريقة " لف وارجع تانى"..ليس هنالك ما هو أكثر إرهاقًا للنفس من أن تظل فكرة ما عالقة فى ذهنك، لا يمكن طردها ولا يمكن تنفيذها..تأُدُبًا تقول عالقة فى ذهنى..فى حين أنك أنت العالق والتائه فيها. 

 التفكير المبالغ فيه مع عدم القدرة على اتخاذ قرار مؤذِ للغاية ..فعل كريه مؤذِ، وحماقة يرتكبها المرء فى حق نفسه.


كم دقيقة مرت مع فوضى الأفكار تلك؟ يا الله .. سبعة دقائق متبقية  وفرصة عمر ..وفوضى ..فوضى أفكار..كثير من الفوضى..وكثير من الأفكار.

خمس دقائق..أربع دقائق و59 ثانية .. أربع دقائق و58 ثانية ..
مرور الوقت مخيف..مخيف أن تدرك أنك استهلكت أوقاتًا طويلة وأهدرتها فى اللا شىء..ولا ترى بريقها إلا فى وقت التلاشى..تلاشى الوقت.. لهذا يقولون الوقت كالسيف.. لماذا كنا نكابر فى الاستماع لتلك المقولات ونراها سخيفة مبتذلة ؟.. لو عاد بى الوقت وعدت طفلاَ فى قاعة الدراسة لأبديت اهتمامًا أكبر بكل تلك المقولات المطبوعة على ظهر الكتب والكراسات..لكن..لكن الوقت لا يعود..لا يمضى للخلف .. لن أستعيد سنوات الدراسة ولا الخمس دقائق المنصرمة التى لم أقرر فيها شىء..تداعى ذلك إلى ذهنه وهو يفكر حينها.

إهدار الوقت فيما لا يضيف لحياتك معنى حقيقى هو نوع من القتل الرحيم الذى لا يدرك المرء أنه يقترفه بيده.


إذن سأختار التردد.. و إهدار الوقت .. والتفكير الكثير بلا تنفيذ .. ربما يبدو هذا مثالياً للغاية ،  كرر ذلك على نفسه ظانًا أنه قد حسم أمره، لكنه سرعان ما تراجع قليلًا مرددًا أن  الحياة موجعة بشكل يفوق هذه الاختيارات الثلاثة فقط..وانه لن يسعد تماماً مع كل هذا الكم الموجع من المواقف الحياتية المزعجة وهذه الاستثناءات الثلاثة فقط ،إذن ..أهو الجشع ..طمع المرء الذى ينتزع منه الرضا والسعادة وتقدير ما هو متاح له؟

التطلع لما لا تملك قاتل إن لم تهذب نفسك بالرضا.


دقيقتان..دقيقتان فقط وإلا لا شىء تمامًا ..ربما عليك بشىء من المغامرة .. ألم تعش عمرك كاملاً تردد على نفسك أنه من النضج أن تخوض التجربة بغض النظر عن نتيجتها.. لا نتيجة محسومة أساسًا فى الحياة بأكملها..والتجارب جميعها دروس..منها فقط دروساً قاسية ..وأخرى تأتى بنتائج مرضية..لكنها كلها دروس.. ألا يقولون أن حتى النعمة ابتلاء  يختبرك به الله..إذن فكل التجارب دروس،  لكننا أحيانًا فقط نتحول لتلاميذ بليدة لا تستوعب..ولا تنتبه.


دقيقة .. على بُعد دقيقة واحدة فقط من تلاشى الفرصة،عرف وقتها تماماً ما ينقصه..حينما بدأت الفرصة تتلاشى من أمامه بدا كل شىء واضح.. ردد بصوت عالِ وهو يلهث فى سباق مع الثوانى:

1- الخوف: لا أريد الخوف فى حياتى.. لا أريد أن أعش بكل هذا الجبن وراء ذلك الجدار السخيف الذى يفصلنى دائمًا عن كل ما أحب .
2- المسافات:  يجب أن يتم محوها.. ومن حق المرء أن يكون  قريبًا من كل مَن وما يحب .. المسافات مرهقة.. والبُعد دومُا يجعل شيئًا منك يتآكل.. سواء بُعدك عمن تآلفهم روحك، أو بُعدك عن كل ما يجعل الشغف يسرى فى عروقك من أشياء.. انعدام شغفك يتركك باهتًا.
3- المرض: أتقبل فكرة الفقد ..الموت حقيقة، فأريده هادئًا، ووحده المرض دومًا يرعبنى بصورة أكبر ..لا عجز حقيقى يضاهى رؤية من تحب يتألمون وأنت لا تملك شىء تدفع به هذا الألم عنهم.. ولا عجز أكبر من شعورك أنت بأنك عاجز حيال نفسك..الألم بغيض وقاتل للشعور قبل الجسد.

ربما كان يعلم الإجابة منذ الدقيقة العاشرة فى العد التنازلى.. يعلمها تمامًا بداخله، لكن وحده خوفه يصنع دائمًا مسافة بينه وبين اختياراته، وهو فعلاَ مرض.