الخميس، 27 أبريل 2017

بلوتو الدور الرابع 20- سنحاربهم بالطبخ

عزيزي علي..ابن بلوتو البار، القريب جدًا.. البعيد جدًا

كيف حالك يا صديقى؟


 أكتب لك الآن وأنا أشكر الظروف التي حالت دون كتابة هذا الخطاب من يومين، من يومين فقط يا صديقى لو كنت كتبت لخرج ما أكتب قاتمًا كئيبًا، كنت في حالة من الملل الشديد الذي يصيبك بإرهاق شديد،  لا مجازًا وإنما أعنى أن يتحول الأمر بالفعل إلى آلام تطارد جسدك.. آلام فى معدتى.. اضطراب فى نومى، حالة خمول تام، والعجيب أو السخيف أنها حالة من الملل لا لأنك لا تجد ما تفعل، بل  ذلك الملل  الذى يتسلل إليك فى قمة الانشغال بما تفعل، ملل من كل شىء، وأى شىء، هل تظن الملل يا صديقى هو اللفظ المناسب هنا؟ لا أظن.. ولا أمتلك توصيفًا مناسبًا.


 هل تعرف تلك الحالة التى تبدو معها كل الأشياء ثقيلة على النفس، حينما لا تقوي علي فعل أي شئ، وإن اضطررت فأنت تدفع نفسك دفعًا لأداء المهام الموكلة إليك سواء المجبر عليها أو حتى المحببة إليك.. يتساوى كل شىء..وكله ثقيل الوَقع على نفسك، تؤدى كل شىء ولسان حالك يردد متي سينتهي هذا المشوار؟ متي سينتهي هذا الحديث؟، متى سأعود للمنزل؟،  ثم يقودك ذلك للسؤال الأعم والأشمل: متي سينتهي هذا العبث عمومًا علي كل الأصعدة؟ فتحت وقتها جهاز اللاب توب فى محاولة منى للكتابة لانتشال نفسى من تلك الحالة، سطرت كلمتين : "عزيزي علي" ثم انتهي الأمر عند هذا الحد، ربما خفت يا صديقي، ليس منك، فأنت أكثر مَن آمنه، ولكن خفت من نفسي، خفت أن أكتب.. خفت أن أقرأ ما كتبت، خفت أن أطلق العنان لأفكاري في خطابي، وأنا أعلم أن أفكاري لم تكن سوية حينها، لا يعني الأمر أنها غير حقيقية، ربما لكونها حقيقية جدًا خفت أن أكتب، كانت أفكارى حينها بمثابة مراجعات فكرية عن عدة أشياء وأشخاص، ففضلت ألا أكتب.. فضلت الانتظار لتنقضي فقط تلك الفترة، وتتتراجع هذه الأفكار إلى قاع وجدانى مرة أخرى، علي طريقة أحمد منيب:  (دة كل شيء له يوم..زي السحاب يمشى)، أعتقد يا صديقى أن ليست كل المشكلات تحتاج إلى وقفة من جانبنا لحلها، بقدر ما تحتاج أحيانًا إلى تجاهلها..فقط تجاهلها.


قضيت تلك الأيام في المطبخ بعد أن فشلت محاولات الكتابة والقراءة ومشاهدة التلفاز والخروج والحديث، هل أخبرتك  من قبل أنني أطبخ حينما أكون محبطة؟ وفي أحيان قليلة حينما أكون سعيدة، كذلك اليوم الذي اقتنصت فيه تذكرة لحفلة عمر خيرت، في الطريق للمنزل هاتفت أمي وأخبرتها ألا تطبخ لأنني سأفعل، كنت سعيدة وفي مزاج رائق للطبخ، أما حينما أكون محبطة فإعداد الطعام يكن وسيلتي لإخبار نفسي أن كل شئ علي ما يرام، بإمكان الأوجاع أن تذوب تمامًا كما يذوب قالب الزبدة هذا، بإمكان الحال أن يتبدل كما تتبدل مكونات الطبخ من مواد خام إلى صورة أخري، بإمكانى السيطرة لتحويل كل هذه المكونات الممتدة أمامي علي طاولة المطبخ إلى شىء ما يمكن تناوله، مازلت أقوي على السيطرة.


بإمكان قالب كيك أن يمدني في أوقات إحباطي بالدفء.. أنا لست محبة للحلويات عمومًا، ولا تندرج تحت أصناف الأكل التي قد تحسن مزاجي، لكنني أحب رائحة الخَبز في المنزل، ربما هذا ما قد يحسن مزاجي، تمامًا كما أحب رائحة القهوة، دون أن أحب شربها، أما حينما يثني أفراد المنزل علي الكيك، فأشعر وقتها أن ذلك بمثابة اعتراف ضمنى بأننى مازلت أقدر.. حتى لو انحصرت القدرة فى شىء ساذج كإعداد بعض الحلوى.



أعلم ما يدور ف ذهنك حاليًا، ربما تكتم الضحكة في أعماقك علي ما أخبرك به، ربما تتندر علي سذاجتي، لكن أقسم لك أن الأمر قد يكون أعمق مما يبدو عليه من سذاجة، وأكاد أجزم أن العلم قد يمتلك تفسيرًا وجيهًا لذلك، لماذا إذن برأيك ظهر القول الشهير: "When life gets complicated bake a cake

هل تعلم يا صديقي ماذا كنت أفعل في 3 يوليو ٢٠١٣؟ فى أوج الاضطرابات السياسية والتوتر يخيم على الأجواء سواء فى الواقع الفعلى أو الموازى على شبكة الإنترنت أوحتى بداخلى؟ كنت حينها أتابع قالب التشيز كيك فى الفرن!

 ربما هو أمر نسوي بحت قد لا تستوعبه يا صديقي، وربما بالنسبة للبعض يكون التنظيف المقابل للطبخ، فقد أخبرتني صديقة أنها بعد أزمة عائلية ما واجهتها (مسكت الشقة قلبتها) في إشارة منها للمجهود المبذول فى التنظيف، ذكّرتني بمشهد هند صبري في فيلم لعبة الحب حينما تورطت بعلاقة مع خالد أبو النجا، فما كان منها إلا أن نفثت عن توترها بتنظيف البوتاجاز! 


أزعجنى فقط أننى حينما أخبرت بعض صديقاتى بأننى أنفث عن توترى بالطبخ، تأكيداتهن حينها أننى أفعل ذلك لأننى لست مضطرة للطبخ يوميًا، قد يكون فى كلامهم شىء من الحقيقة، لكنها ليست كل الحقيقة، لم يزعجنى حديثنا عن الطبخ بقدر ما أزعجتنى الفكرة الأشمل، بإطلاقنا الأحكام على ما يمر به الغير لمجرد إسقاطه على ما مررنا به.. التجارب ذاتية يا صديقي، وما تقر به أنت على أنه حقيقة فى حياتك، قد لا يكون كذلك فى حياتى، لى تجربتى ولك تجربتك، طبّق ذلك على شتى أمور الحياة من الطبخ للعلاقات بين البشر، كلٌ منا تجربة قائمة بذاتها، فقد يمثل لك الطبخ عبء ويمثل لى متنفسًا للتوازن، قد تسير علاقة ما فى حياتك بصورة ما، وتسير معى بصورة أخرى.. وهكذا..وليس مطلوب أكثر من أن نكن أكثر مرونة فى تقبل الفكرة لإعطاء الغير المجال لخوض التجربة دون إسقاطات من جانبنا  على تجاربهم فى ضوء تجاربنا.

ولذا فسيظل هو وسيلتى فى مواجهتهم جميعًا يا صديقى: الأفكار غير السوية.. والإحباطات.. والتوتر.. ومَن لا يؤمنون بذاتية تجربتك في الحياة..سنحاربهم بالطبخ.


                        دمت بخير وبعيدًا عن الاضطرار لخوض حروب حياتية

                                                                                            من كوكب الأرض.. مع تحياتى،،