الأحد، 20 يوليو 2014

بلوتو الدور الرابع 8- عتاب

عزيزى على..صديقى الفضائى الدافىء كدفىء .E.T

     أرجوك أن تغفر لى يا صديقى إنقطاعى لمدة طويلة عن الكتابة إليك..و لكنك كنت دائماً قريب ،حتى و إن لم يكن قرباً مادياً..لكنك كنت هنا و قريب جداً يا صديقى..و أنت تعلم ذلك


   بداية كتلك قطعاً بداية كاذبة للغاية ،لا بشأن كونك قريباً رغم بعدك فهو أمر صادق تماماً..و إنما كاذبة لأننى أبدو فيها كمن يزعم أن شيئاً لم يحدث و أن كل شىء على ما يرام..وهو غير حقيقى يا صديقى..و أنت تعلم ذلك


لذا دعنا ننتهى من ذلك الالتباس و،أفسح لى مجالاً للتحدث  بصراحة منزهة عن أى محاولات مضللة تُعيق ما نبتغيه من  الوصول لفهم مشترك..


حدث ما كنا نخشاه  يا على،حدث و سقطنا - رغم حرصنا الشديد ألا نفعل - فى ذلك الفخ القاتل للعديد من العلاقات الإنسانية : أن يتحول  عمق علاقتك باحدهم و تفهمه الكبير إلى سبب فى إهمالك له تحت دعوى أن بمجرد الشرح له سيتفهم.. بمجرد مراضاته سيرضى،،و كأنك تحول تفهّمه الكبير لذنب يستوجب العقاب عليه..لكن صدقنى يا صديقى إلا الإهمال ..قد تغفر للأخرين إنشغالهم عنك..لكن لا يمكن أن تغفر إهمالهم لك..و إن استطعت أن توجد لنفسك مبرراً لتجاوز الإهمال فى حقك مرة..فلا يمكن أن تتجاوزه مراراَ ،و إلا أنتقصت من إحترامك لنفسك.


كلانا يا على تورط فى ذلك الغباء الإنسانى المفرط،رغم أننا ظننا أننا أبعد ما يكون عن ذلك..ظننا أن فى علاقتنا من القوة ما يُجّنبنا من الوقوع فى فخ المشكلات الكلاسيكية المتكررة فى شتى أنواع العلاقات،و أعتقد أن هذه كانت غلطتنا الأولى،اعتمادنا يا صديقى على تفهمنا وتشابه أرواحنا لم يكن وحده كافياً ..كان التفاهم أساس قوى ،ولكن أى أساس يوجد لتبنى عليه،وهذا ما أغفلناه،أغفلنا أن نغّذى علاقتنا ذات الأساس القوى بما يكفل لها أن تظل قوية،،أغفلنا أعمال الصيانة فأصابت الأعطال علاقتنا.


و لا يا صديقى..لم تكن المسافات بيننا سبباً فى هذه التوترات..و لكن كان السبب فى نوع أخر من المسافات باعد بيننا،فالمسافات  لا تُقاس بالكيلومترات،و إنما بالتفاصيل التى تتسرب من حكاياتنا و نُسقطها عمداً لأن الوقت لم يعد يتسع لقصِها،فبقدر ما تقل التفاصيل التى نتشاركها بقدر ما تتسع المسافات بيننا.. الصمت يا صديقى هو المسافة الحقيقية التى يجب أن نخشى الوصول لها  فى أى علاقة إنسانية.


هل تعلم يا صديقى متى عرفت أننى غاضبة منك حقاً ؟ حينما بدأت أختصر تفاصيل يومى شيئاً فشىء و لا أقصصها عليك حد الوصول لأننى لم أعد أحكى شيئاً..لم أحك لك عن تلك الكتب التى أشتريتها مؤخراً،و لا عن مشاجرتى الحمقاء مع صديقتى بسبب إختلافنا على موعد لقاءنا..لم أقصص عليك عن ذلك الإنجاز الصغير الذى حققته فى عملى وغمرنى بسعادة بالغة لم أتشاركها معك..و لا عن تلك النشوة التى غلّفت روحى حينما عدت من العمل لمنزلى سيراً على الأقدام فى ذلك الطقس البديع الذى يخلق بداخلى إحساس يضاهى إحساس طفلة مبتهجة بفستانها المزركش فى أول أيام العيد.


أما أنت فصمتك أبلغنى أنك أيضاً منكمش ،كل ذلك الصخب المعهود منك..كل تلك القصص التى لم أكن أفهمها كلها و لكنها كانت قطعاً تسعدنى لمشاركتك إياى فيها..كل حماسك فى الحكى ..كل تلك الأشياء الجميلة التى يصعب علىّ أن أعددها ..أختفت ..توارت خلف صمت مخيف ..كما لو أننا غرباء..كما لو أننا نخشى أن نتحدث إلى بعضنا من جديد..آثرنا الصمت..طال الصمت..و هنا كان ثانى أكبر أخطائنا يا على ..أعلم يا صديقى أنه فى شتى أنواع العلاقات من الضرورى ترك مساحة للطرف الآخر،ولكن الخطأ فى تقدير هذه المساحة قد يحول الأمر برمته لمساحات عديدة لا تحوى أى شىء مشترك..لذا ففى مرحلة ما..عند نقطة ما لا بد لهذا الصمت أن ينتهى..لابد أن يتدخل أحد لفعل أى شىء..لكسر ذلك الحاجز السخيف..للعراك حتى !


ربما لذلك أكتب لك الآن ..لا  لأعاتبك فقط يا على..صدقنى ليس عتاباً بقدر ما هى خطوة أتمنى ان تنقل لك تقديرى لما بيننا .. أكتب  لك الآن لأنها النقطة التى يتوجب على أحد فيها أن يبادر بأى شىء ،و لا أجد أدنى حرج فى أن  أبدأ لك بالإعتذار..و أظن أن محاولة تشخيص سبب شرخ ما طال أى علاقة يعنى أن هذه العلاقة ما زالت تعنى الكثير..و أن بداية التشخيص خطوة لمحاولة إعادة وضع الأمور فى نصابها الصحيح..لذا ساعدنى أنت بدورك..ساعدنى فقط فى أن نتجاوز تلك الحالة السخيفة بيننا..


و أرجوك لا تنزعج كثيراً مما نمر به.. و لا تنزعج أيضاً إن أخبرتك أن هذا التوتر فى علاقتنا أمر صحى،فيُقال يا صديقى أن مع كل توتر فى كل علاقة إنسانية يضع أطرافها قاعدة جديدة للتعامل بينهم،المهم دائماً و أبداً أن تكون هذه الأطراف على استعداد دائم لمساعدة بعضهم البعض..على استعداد دائم لبذل الجهد فى سبيل إنجاح هذه العلاقة..على استعداد للغفران و لتغافل ما يمكن تغافله..على استعداد للتشخيص معاً،حتى يمكن إيجاد العلاج معاً..على استعداد للصبر أثناء رحلة العلاج تلك حتى يعود كل شىء كما كان..وصدقنى إذا وُجد كل ما أسلفت فى أى علاقة فهى لا تعود لسالف عهدها قبل حدوث تلك التوترات فحسب،و إنما تعود فى شكل أخر أعمق ..و أكثر قوة..و أطول عمراً


أما بعد أن أعتذرت ..و أما بعد أن تقبلت أنت إعتذارى بما أعهده فيك من تفهم عميق يجعل للعتاب بيننا لذته الخاصة ،،دعنى أُخبرك أن كل التفاصيل تفتقدك يا صديقى  :)
من كوكب الأرض
                     مع تحياتى ،،