الأحد، 27 ديسمبر 2015

بوسطة (1) - رانيـــــــا الخُضري

لسبب ما، فقلبى شديد الولع بفكرة كتابة الخطابات.


أشعر أن الأمر أبسط حتى من أن نطلق عليها خطابات.. كلمة جوابات أدفأ فى استخدامها، أتخيل مرارًا لو أن الجوابات كانت وسيلة التواصل فى عصرنا الحالى، ثمة شىء حميمى فى أن يخط لك أحدهم كلمات بيديه ..لا عن طريق لوحة مفاتيح، ليحمل لك الجواب شيئًا منه مع كلماته: خطه .


أسرح قليلًا فأتصور أننى أقضى الليل عاكفة على كتابة بعض الأوراق، ثم أضعها فى ذلك الظرف الأبيض ذا الإطار الملىء بمربعات زرقاء وحمراء، أُحكم لصق الجواب، أكتب العنوان على الغلاف الخارجى ، ثم ألصق طابع البريد، لا يتوقف خيالى هنا فحسب، وإنما يمتد لأن أكتب على أسفل الغلاف الخلفى من جهة اليسار " شكرًا لرجال البريد".


أتمنى لو أنى أفعلها يومًا ما..وأظن أننى سأنفذها ذات مرة، وأعرف أننى لو بدأت فلن أتوقف، سأرسل جوابات كثيرة ساذجة لكل من يشغل فى القلب مساحة، سأخبرهم أمورًا عديدة لا يتسع المجال لحكيها بوسيلة أخرى غير الجوابات، صحيح أن لا وسيلة أدفأ من اللقاء المباشر، لكن ثمة سحر خاص يسكن فكرة أن تكتب بيديك لشخص ما.


ربما ستساعدنى جواباتى تلك فى أن أعبر بشكل قد لا أجيده فى الواقع..بشكل أكثر صدقًا، وأكثر إنصافًا، ولا سوى الكتابة ينصفنى، ولا أكثر منها صدقًا أُعبّّر من خلاله.


وإلى أن أفعلها..ربما سأقدم لكِ اليوم ما يشبه الجواب، ستتسلميه عبر وسيط إلكترونى، بلا طابع..بلا عنوان علي الغلاف..بدون خط يدى، لكنه قطعًا يحمل شيئًا من قلبى، ولتكن هديتكِ في العام الجديد.


عزيزتى رانيا..
كنتِ تضحكين مؤخرًا وتمازيحننى متسائلة: " مش هتكتبى عنى؟"، ربما مضى وقت طويل على مزاحنا ذلك، إلى أن دار بيننا ذلك الحوار اليوم..كررنا مزاحنا مرة أخرى، لكننى تأثرت به هذه المرة، ربما لأننى أعرف أنك على وشك السفر لتلك البلاد البعيدة، صحيح أن سفرك لن يطول، لكننى أصحبت شديدة التأثر بفكرة السفر؛ ربما لتحوله إلى عائق بينى وبين كثير من المقربين لى، صارت فكرة السفر تثير شجونى بشكل كبير، صرت غير قادرة على استيعاب فكرة البعد المادى بينى وأحبائى بفعل تفاصيل جغرافية لعينة..وظروف حياتية لعينة، اقتضت بأن ينتهى الأمر بمطار وطائرة وقارات مختلفة، ربما لذلك تأثرت اليوم للغاية، وأظننى أخبرتك حينها أننى لا أحب لقاءات ما قبل السفر..بل طالما أهرب منها، لذلك يا صديقتى لم أطل ذلك "الحضن"، ولذلك يا صديقتى تأثرت به كثيرًا. 


ربما لتأثرى بفكرة سفرك..أكتب لكِ، ربما لأن تلك المبهجات الصغيرة هى كل ما نحارب به قسوة الدنيا أكتب لكِ، ربما لأننا فى حاجة ماسة لأن نردد على مسامع من نحبهم أننا نحبهم..أكتب لكِ.


أكتب لك يا صديقتى لأخبرك بعضًا مما لم أخبرك به مباشرة من قبل، ربما أنتِ حالة خاصة لم أصادفها مسبقًا فيما يتعلق بطريقتك فى الحزن، تحزني فترفضى الاعتراف لنفسك بالحزن، تواصلين الضحك والثرثرة، تنهى موضوعًا فتبدأى آخر وكأنك تُجّنبى نفسك الانفراد بذاتك، وكأن ثرثرتكِ وضحككِ وسيلتك فى إلهاء نفسك عن التفكير، أبادرك بالسؤال : " أنتِ كويسة؟"، تضحكين أولًا ضحكتك المميزة المصحوبة " بكرمشة طرفى العين"، ثم تجيبى : " لأ والله أنا مش كويسة خالص"، ينتهى الأمر بجلسة فضفضة كوميدية للغاية، رغم دراما جوهر الحديث.


أنظر فى صندوق الوارد على حسابى على الفيس بوك، فأجدك تغنين لى ..تغنين بكتابة كلمات لبعض الأغانى، أضحك من قلبى قبل أن أرد من جانبى بسرد بعض كلمات الأغانى، مرددة فى نفسى : " رانيا مش كويسة " ..وينتهى الأمر برسائل كوميدية متبادلة، رغم دراما ما فى قلوبنا..لكننا نضحك، بفضل طريقتك المميزة فى الحزن.


يبهجنى دومًا وجودك فى المكتب صباحًا، تؤمنى لى صُحبة وونس..وضحك على أى أمر درامى، تأسرنى بساطتك وعفويتك، تسليننى بحكاياتك عن الدنيا والناس، وما تواجهى من مواقف، لا أخفيكِ سرًا بأننى أحيانًا أنفصل عما تحكيه وأركز فى طريقتك فى الحكى لا فيما تحكي، وأرجوكِ ذكرينى بأن أقلدك يومًا لأعكس لك كيف تحكين موضوعاً وأنتِ مندمجة.


أوفى اليوم وعدى بالكتابة عنكِ، ويبقى وعدك بمداومة إطلالتك على صندوق الوارد خاصتى بكلمات أغانى دون أى مناسبة من وقت لأخر، وأرجوكِ " بلاش هانى شاكر".


واظبى يا صديقتى على الضحك ما أمكن، وليكن وسيلتك دومًا فى مقاومة الأوقات القاسية، واظبى على البقاء بسيطة عفوية كما أنتِ، واصلى الغناء وأشهريه  دائمًا سلاحًا فى وجه اكتئابك .

عامك جميل يا رانيا.. مثلكِ :)

الخميس، 24 ديسمبر 2015

بلوتو الدور الرابع 16 - كارت معايدة

عزيزى على..

                  صديقى الفضائى الذى يسكن هنا تماماً..فى أعماق القلب، ويستقر هنا تمامًا فى خبايا وجدانى، برغم المسافات والانشغال، وكل ما يعيق تواصلنا الدائم، لكنك فى القلب والوجدان، ولم ينافسك أحد بعد على مكانتك فى قلبى ووجدانى، ولأ أظن أنه ثمة أحد قادر على المنافسة، أنت هنا دومًا يا صديقى وإن كنت فعليًا دومًا هناك، لكن ثمة رابط خفى سحرى أشعر معه أن هنا وهناك قد ذابا معًا.. أيمكن للوصال يا صديقى أن يحدث بلا وصال؟

                                             أما بعد.. كيف حالك يا صديقى؟


أعلم أن مقدمة خطابى هذا ربما هى الأطول بين جملة ما صغته لك من خطابات، ربما تملؤنى اليوم حماسة مفرطة، تنعكس على كل ما أفعل.. بما فيها ما أكتب.


عام جديد يا صديقى على وشك أن يهل..
صار كل الكلام عن استقبال السنوات الجديدة مستهلكًا..يصيغ المرء بعض الأمنيات، يذكر فى شىء من الأسى بعض التفاصيل المرهقة، نفس السيناريو المكرر.


لذا دعنا اليوم لا نسترسل فى الحكى عن أمنيات نود تحقيقها، أو نواسى بعضنا بشأن أمنيات تعصانا،  أو حتى نُفّند ما تعلمناه من جملة مواقف مررنا بها فى العام الذى أوشك أن يلملم أيامه ويمضى  بعد أن أخذ من أعمارنا ما يزيد عن 350 يوم إلى الآن، وأخذ من قلوبنا ما لا يمكن التعبير عنه بأى وحدة قياس، دعنا فقط اليوم نضع كل ما يؤذى أرواحنا جانبًا، دعنا نتجاوز كل ما يرهقنا لبعض الوقت، وأظنه التحدى الحقيقى يا على، أن نخطف إحساسنا بالحياة من وسط أوجاعها، ربما تعرف يا صديقى أن هذه واحدة من أكبر مخاوفى على الإطلاق: أن أُسلب إحساسى تجاه الأشياء البسيطة التى تُبهجنى، ربما لا أجد تعبيرًا أدق من الخوف من أتحول إلى " موظفة" فى الحياة، أفعل الأشياء لأنه فقط ينبغى لها ذلك، أن تصل لمرحلة البرمجة فى التعاطى مع كل ما حولك ومَن حولك..بلا روح..بلا إحساس، صحيح أنه مع تقدمك سنًا تكبر معك فكرة الاضطرار ..الاضطرار للاستمرار فى ظروف مرهقة لا يتُاح لك فيها رفاهية الهروب، تدرك حينها أنك لا تملك رفاهية " مش لاعب" ، وتجد أن التوقف عن كل شىء والانزواء بمفردك أصبح ترفًا أمام قائمة من المسئوليات التى تنتظرك لانهائها، إلا أنه يبقى لنا فى النهاية الجهاد من أجل أن نلوذ ببعض  اللحظات  الدافئة تحت أى ظرف.


وصدقنى الأمر به جهاد حقيقى، لكن نتائجه تستحق إرهاق الكفاح، هل تود مثال لتقريب وجهة نظرى؟ إليك هذا: أخبرتني أكثر من صديقة ممن يجاهدن مع فكرة كونهن أمهات جديدة، أنهن بعد نوبات من الاكتئاب والنوم المتقطع والابتعاد عن روتين حياتهن؛ تحت وطأة مراعاة صغارهن، نجحن فى تحسين حالتهن المزاجية من خلال استعادة بعض الأوقات المحببة للقلب، حتى وإن تطلب الأمر تقليص عدد ساعات النوم المتقلصة من الأساس، من أجل أن يحظين ببعض الوقت لأنفسهن..لأنفسهن فقط، منهن من استيقظت ساعة مبكرًا للاستمتاع بحمام دافىء وكوب قهوة، منهن من تستيقظ مبكرًا لتكتب، وأخرى لمشاهدة فيلم، بدا الأمر لهن مرهقًا فى البداية، كن يفضلن النوم عن أى شىء سواه، لأنه وحده كان الأجازة المتاحة من الأمومة لبعض الوقت، ومع الوقت اكتشفن أن الحياة هكذا تُهدر منهن، كافحن من أجل تقليص ساعات النوم لينعمن بساعة واحدة فقط تشعرهن بالحياة، هل فهمت قصدى يا صديقى؟.


أنا أيضًا قد أتخذت قرارى منذ فترة قريبة، وأظنه يحرز تقدمًا لا بأس به، قررت يا على الفصل بين عملى وحياتى، وألا يصبح عملى كل حياتى، وألا تتمحور حياتى حول عملى، كنت فى وقت سابق أنتهز فرصة يوم الأجازة لإنجاز بعض مهام العمل المتأخرة، صار أسبوعى موصولاً ببعضه، فلا فارق بين يوم عمل ويوم أجازة..أعمل فيهم جميعًا، صار الإحساس بالذنب يتملكنى إن أمضيت أجازتى بلا إتمام بعض مهام العمل، صرت أكثر حدة وأكثر عصبية، مع الوقت بدأت أعيد ترتيب أوراقى إلى أن وصلت لقرار نهائى بأنه لا مساس بيوم الأجازة، ولتذهب كل الأشياء الجادة للجحيم.. على الأقل فى هذا اليوم، صرت بعدها أقل إحساسًا بالذنب، وأقل قسوة على نفسى، وأراه الآن حقى الطبيعى فى الحياة: أن أحظى ببعض الوقت لترميم نفسى لأتمكن من المواصلة.


ما أود قوله لك من كل ما قلت هو: ابتهج يا صديقى .. ربما ستكون هذه هى معايدتى لك فى العام الجديد، ابتهج رغم أى وجع، لا تستسلم لتجّهم مَن حولك الذى يُشعرك أنه ينبغى أن تكن مثلهم، وإلا فأنت فاقد للإحساس، أو إن  "فيك حاجة غلط " إذا ما تسللت بهجة ما إلى قلبك أيًا كان سببها، فى حين أن العالم غارق فى البؤس، صحيح أن الحياة قاسية وتطحننا يوميًا، وصحيح أن كل منا فى صراع من نوع ما إن أظهر ذلك أو أخفاه، لكن فقط علينا تذكير أنفسنا بأن لأرواحنا علينا حق، ابتهج يا صديقى أيًا كان السبيل لذلك، وتذكر ما يُقال بأن السعادة لا تحتاج إلى استحالات كبيرة، وأن أشياء صغيرة قادرة على أن تهزنا فى العمق، ابتهج بكتاب جديد.. بمزيكا حلوة..بالغناء وإن كان صوتك نشازًا ..بمباراة كرة.. بفيلم سينما.. بلحظة دافئة مع أشخاص تلمس قلبك.. بالتنزه سيرًا فى طقس جميل.. بتفريغ زحام عقلك من خلال مشاهدة حفلة الست على روتانا كلاسيك،  أضف للقائمة ما شئت يا صديقى وفقًا لميولك وأهوائك، ضع فيها ما شئت حسب حياتك فى بلوتو..لكن فقط لا تنس نفسك، تكفينا قسوة الحياة، فكفانا قسوة على أنفسنا.


دمت تشعر بالحياة يا صديقى وتستشعر معناها ما أمكن.. دمت طيبًا يا صديقى فى عامك الجديد وفى كل الأعوام.
                                                                          
                                                                      من كوكب الأرض ..مع تحياتى،،

الجمعة، 4 ديسمبر 2015

من وحى حمص الشام

ديسمبر شهر دافىء  رغم برودة الطقس النسبية التى يشهدها.. دافىء لسبب ما غير معلوم؛ ربما تسكننىا فيه سكينة الاستسلام لحقيقة  "إن كله بيعّدى" .. ندرك فى ديسمبر أن عامًا قد انقضى بكل ما فيه من أشياء أثقلت القلب، وانتقصت من سلامنا النفسي، سواء إن كانت انقضت على نحو تمنيناه  أو لا، لكنها انقضت، هكذا ببساطة.. انقضت ومضت، ومازلنا أحياء ولم نمت برغم  كل ما رحل عنا بلا رجعة، وكنا نحسبه وحده القادر على إمدادنا بأكسير الحياة.



ديسمبر شهر محبب رغم أن الإحساس بانتهاء شىء ما  يثير دومًا فى النفس شىء من الغصة، لكن ديسمبر يكسر القاعدة، تنتهى فيه سنة، ويولد مع انتهائها الإحساس بأنه مع كل نهاية تولد بداية جديدة، يأتى ديسمبر ليلملم ما تبقى من الأيام، ويمنحنا فى الوقت ذاته أيامًا جديدة، واحتمالات متعددة، وآمال تنتظر تحقيقها.

ربما يخلق ديسمبر فى قلبى إحساس موازى لما تغّنت به أم كلثوم عن ليلة العيد حينما قالت: " وجددتى الأمل فينا".. يجدد  ديسمبر دومًا الأمل فى قلبى.




أفكر فى كل ذلك بينما تقودنى  لسعة برد ديسمبر المحببة باتجاه المطبخ، على الموقد أجد أمى قد أعدت لى حمص الشام الدافىء، فيزداد إحساسى ببهاء ديسمبر، التفت باتجاه حمّالة الأطباق، وفى حركة لا إرادية على طريقة "حافظ مش فاهم" تمتد يداى لالتقاط المّج المزركش المعتاد، ثم شعرت أنه من غير اللائق أن أسكب حمص الشام فى ذلك المّج الأنيق؛ لا تتلائم أبدًا أناقة المج مع الجو النفسى الذى يتطلبه احتساء كوب حمص الشام، ثم أن التعبير نفسه يكشف أنه لا يجوز، فلا أذكر أننى سمعت يومًا أحد يقول " نفسى فى مج حلبسة".. إذن فلنعيد للأشياء أصالتها وأصلها، ولتذهب الحداثة للجحيم، مع الاعتذار لمّجي المزركش المحبب الذى لا يليق به إلا النسكافيه.. ذلك المشروب الارستقراطى.


تدراكت يدى ما يدور فى عقلى، فاستجابت سريعًا للإشارات القادمة لها من المخ، وانتقْلت سريًعا للصف الأول من حمالة الأطباق، حيث يستقر ذلك الكوب الزجاجى.



انتهى بى الأمر جالسة على ذلك المقعد الخشبى الصغير الموضوع فى المطبخ، ممسكة بكوب حمص الشام، ومفسحة المجال ليداى لتذوب فى دفء الحرارة المنبعثة منه، أتذكر جدالى السابق مع أمى؛ لتمسكى بذلك المقعد البائس وتوسلي لها بعدم التخلص منه، إحقاقًا للحق وإنصافًا لأمى، فهو ليس جميل شكلًا، لكننى أحبه للغاية، بلا أى سبب وجيه، ألا يقولون أن الحب في إجماله إذا عُرف له سببًا فسيزول بزوال السبب؟، أخبرت أمى حينها أن الأمر أكثر تعقيدًا من أن أشرحه، ثم شعرت بسذاجة الموقف وأنا أخبر أمى أننى أحب ذلك الكرسي وأن الأسباب يتعذّر عليّ شرحها..أذكر نظرة أمى لي حينها، وربما وافقت على ترك الكرسي فى مكانه بعدما "استعوضت ربنا" في عقل ابنتها، لكننى شعرت حينها بلذة الانتصار، ولسان حالى يردد ما قاله فتحى عبد الوهاب في فيلم كباريه: "الكلام بيجيب نتيجة".



ارتشف قليلًا من حمص الشام اللذيذ، وأفكر أنه لا يوجد ليمون بالمنزل، بالقطع حمص الشام بالليمون أحلى، لكننى ركلت تلك الفكرة سريعًا من رأسي، وعزمت النية على أننى لن أسمح لأى منغصات بأن تعكر صفو الاستمتاع بالحدث الجلل: أنا على مقعدى الصغير البائس ممسكة بكوب حمص شام في ليلة من ليالى ديسمبر المحببة.



قررت حينها أن أسجل إحساسي كتابًة، وأن أدون أنه فى تلك الليلة بينما كنت أحتسي كوب حمص الشام فى إحدى ليالى ديسمبر المحببة أتخذت عدة قرارت مهمة للغاية تشمل: أننى سأتمسك لأخر نفَس بذلك المقعد البائس طالما أنه يعنى لى شيئًا جميلًا، حتى وإن لم يتفهم الآخرون ذلك، وحتى إن لم أكن قادرة على شرح مكانته فى قلبى، فلا يهم الشرح بقدر ما يهم الإحساس بالمعنى، بل ولن أسمح بوصفه بالبائس، لأن أى شىء يخلق فى نفس المرء معنى جميل لا ينبغى له أن يكون بائسًا، سأدون أيضًا أننى لن أسمح لنقصان الليمون أن يسرق منى لذه الاستمتاع بكوب حمص الشام، صحيح أن الليمون كان سيضفى نكهة أجمل، لكن تفويت الاستماع بكوب حمص الشام نفسه اعتراضًا على عدم وجود ليمون ..حماقة وغباء منقطع النظير.


  أظن أن الكرسى الخشبى الصغير خاصتى، والليمون قد أهداننى درسًا  حياتيًا مهمًا فى تلك الليلة: نحتاج التمسك بما نحب وإن اعترض الغير أو إن لم يتفهموا ذلك .. ونحتاج ألا نفسد بهجة الاستمتاع بما نملك بالتحسر على ما ينقصنا.