الجمعة، 20 ديسمبر 2013

بلوتو الدور الرابع 2- عالمى الموازى

كدة يا على ؟
مرت أربعة وعشرون ساعة و أنا أنتظر خطابك ،و لكن شيئا ً لم يصل ..ما جدوى التكنولوجيا إذن ..ما جدوى سرعة السنوات الضوئية ؟..تخيلت أننى بمجرد كتابة حرفى الأخير من رسالتى الأولى لك سيكون ردك قد وصلنى .. يحضرنى الآن مشهد أحمد مكى فى فيلمه طير إنت وهو يخاطب ماجد الكدوانى " ليه مُصّر تشوه صورة العفاريت اللى فى مخيلتى..أومال فين جو شبيك لبيك و الجليتر اللى بين إيديك " ؟
أى إنبهار يا على لو سمحت ..دة أنت كائن فضائى يا جدع !


وللتوضيح فالاسماء السابقة  اسماء لفنانين فى كوكبنا..ودعنى الآن أتحول بحديثنا لمناقشة جدية ،فكلام العقل مهم يا على ليقربك من ذاتك المهم فقط أن تجد من يستطيع فهمك و يجاريك فيه..أو على الأقل تجد منصتاً جيداً لكل كلاكيعك..الاستماع الصادق مريح للغاية يا صديقى ..المهم ..صارت هذه مشكلتى  ..أقصد فكرة استدلالى الكثير بأجزاء من مشاهد أو مقتطفات من كتب قرأتها أو حتى بعض الجمل من بعض الأغانى ..هل تصدق ذلك ؟



أعلم أنها مشكلة تافهة و لكنها تؤرقنى..و لكن لا توجد مشكلة كبيرة و أخرى صغيرة يا على ..أى شىء و لو كان تافهاً يعد مشكلة طالما يؤرقك و ينتقص من سكينتك ..أعى تماماً أن هناك مشكلات لا تقارن بغيرها لضخامة تأثيرها على حياة أصحابها ..ولكن ما نقترفه أحياناً هو التسفيه من شأن ما يمر به غيرنا لمجرد مقارنته بما نمر به- وهو فعل أنانى جداً بالمناسبة- وقد يكون فعلاً لا مجال لمقارنة المشكلتين ..لكننا سنعود لنفس النقطة التى تحدثنا فيها فى خطابنا الأول..الإحترام و التقدير يا على ..ظروف الناس ليست مماثلة يا صديقى ،ناهيك عن إختلاف ما يمكن أن نسميه الفروق الفردية و ما يتبعها من تفاوت قدرة الإحتمال  لمؤثرات الحياة الخارجية ،و بالتالى فما أعانيه أنا و أكابده و يمثل عندى نهاية الدنيا قد لا تراه أنت بنفس الكارثية ..أنت حر ..ولكن لا تسفه مما أمر به..هل فهمت قصدى يا صديقى ؟



 طب خد عندك..قرأت مؤخراً على إحدى صفحات الشبكات الإجتماعية مشكلة لفتى يبلغ من العمر خمسة عشر عاماً..بدا الفتى من كلامه أنه يمر بصراع نفسى ما لتعلقه بزميلة له وسط حيرة عدم القدرة على التصرف..يشعر أنه إن لم يصارحها بحقيقة مشاعره فسوف يخسر وليفة روحه للأبد ..شعر أنها هى وليفة روحه ..وهو شعور عميق جداً و نبيل يا على ..و لكنه كان متخوف من ألا يتقبل مجتمعيهما الفكرة لصغر سنهما .. هل تعرف يا صديقى كيف كانت ردود رواد الصفحة ..كانت قاتلة معنوياً و تنّم عن مأساة إنسانية نعيشها اللهم إلا من رحم ربى من أصحاب العقول و القلوب الرحيمة أيضاً ..والوصف هنا غير عاطفى يا على و لكنى أجده الأدق ..يتطلب منك الأمر قلباً رحيماً لتستحق لقب إنسان ..أعلم تماماً أن مشاعر الفتى مضطربة و أنها طبيعة مرحلة عمرية ..و أعتقد أنكم تعايشون أموراً مماثلة فى كوكبكم مع صغار كائناتكم الفضائية و تجاربهم العاطفية ..طبيعة مرحلة يا صديقى.. عادى جداً..لكن غير العادى و غير الإنسانى هو أن تستلم الفتى بوصلات من السخرية و الاستهزاء ..و إن كنت أراهن شخصياً على أن كل خفيف ظل من الساخرين قد عايش تجربة مماثلة وربما لقى تعامل شبيه مع مشكلته حينها..و النتيجة أننا صرنا نسلم عقدنا من جيل لأخر !



 أفترض أن الحزن و الألم و الوجع  يهذبوا النفس يا على ، لا أن يتحولوا أسباب لتفريغ ما نمر به على الأخرين فى صورة عقد و كلاكيع ..أفترض ذلك..و لكن ذلك لا يحدث على كوكبنا إلا فى أضيق الحدود للأسف .

و بالعودة لمشكلتى فقد تبدو تافهة إلا أنها تؤرقنى..تؤرقنى يا صديقى ..أتعرف لماذا ؟ لأننى أصبحت غير قادرة على التفاعل بشكل طبيعى ..صرت ساكنة عالم إفتراضى أجدنى أتعامل فيه بأريحية أكثر..عالم الأفلام و الأغانى و الكتب..تطور الأمر لأننى فى أحيان كثيرة أفقد القدرة على التعبير ..و الكلام..لا تسعفنى أبداً الكلمات و لم أعد قادرة على  وصف حالتى بدقة إلا من خلال الاستشهاد بشىء مما ذكرته لك ..نعم قد يكون أمر تافه من وجهة نظرك و لكنه مؤشر على أننى أمر بإضطراب ما..أصبحت غير قادرة على التعاطى مع الواقع المعاش بشكل كبير ..و فى المقابل أزيد من إحكام قوقعتى على ّ..قوقعة الأفلام و الأغانى و الكتب..أتعتقد إننى عرضة للإصابة بالتوحد يا على ؟ أرجوك يا صديقى أطلعنى على أحدث ما توصل له أهل بلوتو فى هذا الشأن ..فعهدى بأهل الفضاء كما تعكس السينما و الكتب صورهم بأنهم متقدمين علمياً.



سأراسلك مرة أو مرات أخرى يا صديقى ..مازال لدى الكثير لأطلعك عليه و أشاركك فيه.. و مازال الأمل قائماً بان أتلقى منك رداً على خطاباتى ..لن أطلب منك ثانية أن تراسلنى..بصراحة مطلقة ..بعض الأمور يعّز على المرء طلبها يا على ..لذا لن أطلب منك مراسلتى..مازلت على عهدى بك وثقتى فيك..أعرف أنك لا تتجاهلنى ..مازال عهدى بصداقتنا بأنها أعمق من أن تغيرها السنوات..النفوس العذبة يا صديقى لا تغيرها الظروف.. صحيح قد تعيد الظروف تشكيلها ،تماماً كما تتحول بعض المواد بفعل مؤثرات خارجية كالحرارة أو البرودة من صورة لأخرى..و لكن حتى إعادة التشكيل لا تنفى عن المادة أصلها.. يبقى الأصل العذب فى النهاية بلا تشوهات..لذا سأفترض أن ظروف ما تعيق ردك علىّ..ربما تكونوا مشغولين ببعض المشكلات مع سكان كواكب أخرى ..أو ربما عايش بلوتو ثورة ما إعتراضاً على سوء أوضاع الكوكب..ربما لديكم أيضاً تمييز بين من هم سلالة ذوى قرون الاستشعار وغيرهم ..ربما أنت الآن معتصم  فى العراء و لا تشعر بأى أمل فى هذه المجرة..أعلم يا صديقى قدر الإحباط و الخذلان الذى قد تعايشه الآن بفعل هذه التغييرات..صدقنى أتفهم شعورك تماماً..ربما سأقص عليك فى مرة أمراً شبيهاً عايشته فى بلدى ..هنا على كوكبنا..المهم..أياً كان و أينما كنت يا صديقى فقلبى معك ..و إلى أن يتجدد الحديث بيننا ..فلك منى كل الإحترام و التقدير.

من كوكب الأرض..مع تحياتى،،