الأحد، 27 أغسطس 2017

بلوتو الدور الرابع 21 - فى رحاب الأنانية

 عزيزى على،
   صديقى الفضائى المتفرد بمكانة فى القلب لا ينافسه فيها أحد، كيف حالك يا صديقى؟

ربما لأصدقك القول، أنت قطعًا تسمو عن أى منافسة مع الغير لأننى لا أعرف فضائيين غيرك، لكن أيضًا يا صديقى فأنت تسمو عن المنافسة لأنك أنت فحسب، ولا يمكن لأحد أن يحل محل غيره مهما اجتهد فى ذلك، يخيل إليّ أحيانًا أن الأشخاص فى حياتنا كبصمات أصابعنا، من بعيد ترى أصابعًا متشابهة، وإن دققت النظر وجدت فى كل أصبع خطوطًا مميزة تخص كل أصبع.. تُشّكله، ويتفرد بها عما عداه من أصابع، لا أحد يشبه أحد يا صديقى وإن بدا كل الناس من الخارج سواء، لكلِ منا خطوط شكّلته وجعلت منه شخص متفرد، خطوط عريضة من التجارب تصيغه وتجعل من الصعب أن تراه نسخة مكررة فى شخص آخر، فحتى وإن تشابهت تجاربنا أحيانًا، تختلف استجابتنا ورؤانا وفق تكويننا وخلفياتنا وبيئاتنا، لتجد أننا فى النهاية حتى وإن تََشاركنا فى نقاط تشابه، نختلف فى نقاط  تجعل كل منا حالة خاصة قائمة بذاتها، وربما بعيدًا عن أى فلسفة، لا يمكن استبدال شخص بأخر بلا سبب محدد، وقد يكون هذا أحد أسرار الكون، تمامًا كسر أن تختص أحدهم بمحبة دون أن تعى سببًا لذلك، ولذا فلتطمئن إن غبت عنك يا صديقى أوانقطعت خطاباتى لبعض الوقت، فلا يمكن لأحد أن يحل محلك فى قلبى، كل ما فى الأمر أن الحياة هنا على كوكب الأرض فوضوية للغاية، وإيقاع الحياة سريع لدرجة مربكة، ومتشابك جدًا أيضًا، وعصى على الفهم، لذا تأخذنى الحياة رغمًا عنى، لكنك لا تتوه أبدًا منى، أعرف أنه لا أقسى من أن نغيب عن أحبابنا  ليقيننا بأن قلوبهم تتسع لأعذارنا، وكأننا ضمننا صك محبة أبدى فى قلوبهم، أقع فى الخطأ رغمًا عنى، لكن قد يشفع لى أننى أجدد تنبيههم بمكانتهم فى قلبى من وقت لأخر، أشدد على عمق محبتى، عسى أن يغفر لى ذلك، ويطمئنهم وقت الغياب.


 شغلتنى عنك فوضوية الحياة يا صديقى، وهى نفسها ما أعادنى اليوم إليك بهذا الخطاب، لا لأشتكى فهو أمر  ربما لا أجيده، لكنها أعادتنى لأخبرك ما تعلمته من ضغوط حياتية جابهتها مؤخرًا.. تعلمت الأنانية يا صديقى، ولا أعنى هنا ألا تفكر سوى فى نفسك دون الآخرين، لكن دعنى أستحدث معك مفهومًا جديدًا للأنانية نحتاجه، وهو أن تفكر فى نفسك كما تفكر فى الأخرين، ألا تبخس نفسك حقها كما تحرص على تسديد حقوق الآخرين، أن تتذكر أن لنفسك حق فتنتبه لنفسك ولحقها عليك.

قرأت يومًا يا صديقى مقالاً لأم يعتصر الشجن كلماتها، تحكى فيه عن حالة وحدة مفزعة صارعتها بعد أن تزوج أبنائها وانشغل كلٌ منهم بحياته، يمتد الوقت أمامها طويلاً.. مفزعًا، فكرت كيف يمكن أن تتغلب على وحدتها مع طول الوقت، إذن فهو وقت الهوايات المحببة للنفس، ولكن أين ذهبت هواياتها، ماذا كانت تهوى من الأساس؟ نسيت ما تهواه فى رحلة تربية أبنائها، وبالمناسبة هم ليسوا أبناء عاقة، لكنها سنة الحياة، ربما لم تكن الأم تعلم أن مهما امتد بها العمر وهى محاطة بأبنائها، ستأتى لحظة ذوبانهم مع الحياة، سيمضى كل منهم فى طريق بحثًا عن ذاته، فكان ينبغى عليها ألا تنسى ذاتها، كان عليها أن تنتبه بأن تفنى نفسها كما تشاء فى حب أولادها، شرط ألا تذوب حياتها تمامًا فى حياتهم.

مس المقال يومها شيئًا ما فى قلبى يا صديقى، استخلصت منه أنه ينبغى على المرء أن يعتنى جيدًا بنفسه ولا ينساها؛ لأن أكثر شخص سيعيش معك هو أنت، فكيف ستستوى الحياة مع ذلك الشخص إن أهملته؟ 
استبدِل الأبناء من القصة السابقة بما شئت.. عمل يستنزف كل طاقتك.. علاقات اجتماعية بأقارب أو أصدقاء تستهلكك وتسرقك من نفسك، علاقات يعتاد أصحابها أنك موجود على الدوام لترتيب شئون حياتهم بغض النظر عما تحتاجه أنت من ترتيب لفوضى داخلك، عيون باتت لا تراك..لاترى سوى نفسها وكأن أصحابها محور الكون، وعلى الكون أن ينتفض وقت احتياجهم للمساعدة، أنت فى هذه الحالات لا تساند غيرك يا صديقى، أنت تستهلك نفسك.

وصدقنى فثمة قيود كثيرة تكبل بها نفسك من أجل لا شىء فى النهاية.. فعليك أن تتحرر شيئًا فشىء من هذه القيود، فلا بأس بعدم  الرد على مكالمة هاتف.. لا بأس بالاعتذار عن مقابلة ما.. لا بأس برد متأخر على رسالة..لا بأس بأن تؤجل بعض المهام فى سبيل اقتطاع وقتًا لنفسك؛ لأنك أيضًا مهم.. لا بأس ..لأنه لا بأس بالانسياق لرغباتك أنت وتأخير رغبات الغير، هذه ليست أنانية يا صديقى..هذا اعتناء بالذات، فإن كان الكون على رحابته لا يتسع لنا يا صديقى وقت أن نحتاج المساعدة، أو إن كان الغير يفترض أننا أصلاً لا نحتاج للمساعدة لأنهم تعودوا أننا موجودون لتقديمها لهم فحسب، إذن فلتتسع لنا الأنانية وتحتوينا؛ لأننا صرنا مستباحين.

دمت بعيدًا عن الاستهلاك يا صديقى، دمت معتنيًا بذاتك، ومتحررًا من قيود لم يفرضها عليك سوى إحساس ينبع من داخلك بأنه واجب عليك..فى حين أنه لم يكن أبدًا كذلك.
                                
                                                                      من كوكب الأرض.. مع تحياتى،،