الأحد، 22 فبراير 2015
الجمعة، 13 فبراير 2015
أنا واخى
كانت البداية آنذاك ..
وقت أن أقتضت ظروف سفر أمى أن أتحمل مسئولية المنزل لشهر كامل ، حينها تماماً أستوقفتنى علاقتى بأخى الأصغر ، ذلك الشاب الصغير تلميذ الثانوية العامة وقتها .
مسئولية ما كانت تملؤنى تجاهه هو تحديداً من بين تفاصيل أسرة بأكملها ألقت على عاتقى وقتها.. من بين تفاصيل عديدة مربكة ..مواعيد دواء أبى ..مواعيد إيقاظ أفراد الأسرة حتى لا يفوت أحدهم موعد مهم أوكلنى بتنبيهه له..أطعمة تنقص المنزل ..وأخرى فى حاجة للإعداد..ماذا سأعد غداً للغداء ..هل أخرجت الكيك من الفرن ؟
من بين قائمة طويلة لا تنتهى ..كنت أخشى أن أقصر فى حقه هو تحديداً ..لا بأن يفوته موعد درس..ولا بأن يهمل فى استذكار دروسه وهو فى تلك المرحلة المصيرية على الصعيد الدراسى..بل كنت أخشى أن أقصر فى حقه كأخت كبرى تعلم جيداً ما يمر به من تغيرات جسام فى فترة تشكيل لشخصه على الصعيد الحياتى.
كنت أخشى من لجوءه إلىّ لاستيضاح تفصيلة حياتية ما ..كنت أسعد بذلك و أخاف فى ذات الوقت ..أسعد لثقته فى وأخاف منها..أخاف أن اخذله بتقديم إجابة خاطئة ..وأخاف أن يأخذنى مرجع دائم له فى حكمه على الأشياء...أتذكر فشير فى كتابه باب الخروج وهو يخاطب ابنه مشدداً على ألا ينخدع فيه كأب ..و أن يعلم - أى ابنه - أن والده ببساطة إنسان ، قابل للوقوع فى الأخطاء و عرضة لأن يشعر بالخوف .
كثيراً ما كنت أقلق إذا تأخر عن موعد عودته المعتاد للمنزل ..أسرع للاتصال به ، يخبرنى بينما تأتينى أصوات أصدقائه عالية بجانبه ، بأنه سيمضى بعض الوقت معهم ،، أنبهه إلى أنه كان ينبغى عليه الاتصال أولاً ..أغلق الهاتف و أفكر ..هل أتمادى فى قلقى عليه ؟
أردد على نفسى أنه صار رجلاً وعليكِ الاحتراس بعدم مطاردته .. لا أطارده فعلياً ، وهو ما يشفع لي..و إنما يطاردنى إحساس بمسئولية ما تجاهه ..لا أعبر عنه صراحةً ، لأرسخ داخله فكرة اعتماده على نفسه.
أفكر فى أمى ..كيف تشعر حيالنا جميعاً ..كيف لهذه المشاعر أن تنحصر فى جسد واحد تجاه جميع أفراد الأسرة ..التمس لها العذر هى وأبى لنظرتهما لنا أنا و اخوتى على أننا صغار..أتذكر جملة من فيلم لا أتذكره هو شخصياً، بينما يوجه أب لابنه هذه العبارة : " هتفضل صغير مهما كبرت ..مش هتكبر عليا أبداً "..
اتذكر العبارة وابتسم فى داخلى إذ أرى أخى الأصغر صغير فعلياً حتى وإن صار طوله يفوقنى ويتطلب منى أن أنظر لأعلى و أنا أحدثه ، ثم أحرص حرصاً شديداً على أن اكتم هذا الشعور داخلى حتى لا يصله مباشرة ..أبلغه صرت كبيراً و بإمكانك الحكم على الأشياء ..وتزداد مساحة التماسى للأعذار لأبى وأمى لإصرارهما على رؤيتنا صغار .
أهرب عن عمد من إمداده برأيى مباشرةً ، بعد أن وجدته يكثر من السؤال عن رأيى ..أخشى أن يؤثر ذلك على قدرته فى إتخاذ القرارت مهما بلغت تفاهة الأمر " ارتدى ذلك التى شيرت أم ذاك ؟ أذهب للجامعة غداً أم لا " ..أهرب ويؤلمنى إن شعر أنى لا أهتم ..وأعلم أنه سيعلم فيما بعد أن هروبى غرضه التقويم ، وأن أخلق فى داخله قدرة على اتخاذ قرار فيما سفه من أشياء ..لكيلا يقف عاجزاً فى يوم ما عن التحرك بدون توجيه امام الأمور الكبيرة.. أبقى نفسى بعيدة بعض الشىء..أعطى مفاتيح للإجابة حتى لا اتركه حائراً تماماً ..ثم أترك له القرار.
أسعد به وأنا أراه رجلاً يسافر بمفرده مع أصدقائه .. وأنا اراه يأخذ قراراً بتجربة عمل فى فترة الصيف ..أطمئن وتقل حدة ما أشعر به تجاهه..ابتسم داخلى و أنا أراه يفضل الخروج مع اصدقاءه بينما يتلكأ فى الخروج معى..أدرك وقتها أنه وجد عالمه الخاص.
السبت، 7 فبراير 2015
بلوتو الدور الرابع 12 - مسودة
أربعة شهور مرت على خطابى الأخير لك، وأحداث كثيرة مرت خلال الشهور الأربعة، وتغيرات جسام نالت منى ، وكنت أنت حاضر فى كل ذلك رغم المسافات.. وتعقيدات الجغرافيا ..وطلاسم الحسابات الفلكية ، بين هنا وهناك، بينى وبينك.
صديقى على ..عزيزى الفضائى الحاضر دائماً حضور يطغى على وحشة المسافات
كيف حالك يا صديقى ؟
انشغلت كثيراً عنك..وانشغلت كثيراً بك ..ولا أعلم إن كنت ستصدقنى أن الانشغالان تلازما طوال الوقت ،عنك وبك ..كنت أتخيل فى عز انشغالى ، كيف سأقص عليك ما أواجه ؟ كيف سأرتب الكلام و من أين أبدأ حتى لا تفوتك تفاصيل ما أمر به ؟
كنت معى فى كل تلك الأشياء ..فى خلفية عقلى..هناك فى تلك النقطة الكامنة فى أغوار رأسى، أفسحت لك تلك المساحة لتستقر فيها فصرت أصطحبك معى فى كل مكان وأشركك معى فى كل الأشياء.
ربما كان يزعجنى فى البداية وجودك الطاغى على كل الأشياء وكل التفاصيل ، ثم أصبحت أتجاهل انزعاجى هذا ، تماماً تماماً كما تجاهل راسل كرو أصدقائه الخيالين فى فيلمه العبقرى A beautiful mind.. كان علىّ أيضاً أن أتجاهل وجودك وأقبل به فى الوقت ذاته لأتمكن من المواصلة .
ربما لا تفهم ما أعنى تحديداً ، فدعك من ذلك ، ولا تشغل بالك حتى بعمل " سيرش" عما أقول بواسطة سيرفرات رأسك؛ لتتمكن من فهمه كما اتفقنا مسبقاً ، هى ليست تفصيلة أرضية لتبحث عنها وتتمكن أنت الفضائى من فهمها،هى تفصيلة نفسية يا صديقى ..ولا أظن أن تكنولوجيا بلوتو وصلت بكم بالبحث فى ثنايا وخبايا المرء ، وأحمد الله كثيراً على ذلك فى الواقع .
لذا لن أقصص عليك كل ما فات..لأننى أشعر أنك كنت فيه، ومن العبث أن أعيد عليك ما شاركتنى فيه،أشعر أنك تعلمه..بل تعلمه جيداً !
المهم ..
أجد صعوبة بالغة يا صديقى فى ممارسة روتينى المعتاد..بل وفى ممارسة أحب الأشياء إلى قلبى ..لا أستطع التعاطى مع عالمى كما هو المعتاد منى ، ربما سيزيل بعضاً من احتقانك تجاهى إن أخبرتك أننى حاولت الكتابة لك كثيراً ، وكانت كل المحاولات تنتهى بمسودة ..أنظر لها وأشعر بشىء من الإشمئزاز..ما هذه الترهات التى تكتبينها ؟
أشترى كتباً كثيرة ..فتملؤنى تلك البهجة الحمقاء وأنا أتنقل بين أرفف تلك المكتبة التى اعتدت الشراء منها، ويملؤنى شعور عظيم بالانتصار فى تلك اللحظة التى أخرج فيها من المكتبة حاملة لتلك الحقيبة الشفافة ذات الخطوط الخضراء وبها ثلاثة أو أربعة كتب ..انتصار على الاحباط على الأرجح .
ثم أجد صعوبة بالغة فى البدء فى القراءة ..وصعوبة بالغة فى استكمال ما بدأت قراءته ..وصعوبة بالغة فى فهم كل ذلك التكاسل فى فعل تلك الأشياء المحببة إلى قلبى .
أشعر بالوحشة من الناس ..لم يعد وجودى بينهم يؤنسنى ، اُجابه ذلك الإحساس السخيف بأننى أصبحت سخيفة ، أجبر نفسى على الإنخراط مع الأخرين..
ثم أجد صعوبة بالغة فى الاستمتاع بالوقت ..مجرد وقت عادى ..عادى للغاية ، بل و أفكر أنه ربما إذا كنت بمفردى خلال هذا الوقت لكان استمتاعى أكبر ..صرت أستمتع بالوحدة يا صديقى ..وهو أمر أندهش منه تماماً !
أصمت ..أصمت كثيراً ..كثيراً جداً يا صديقى ..
ربما لا أعرف ماذا أضيف أيضاً على خطابى ..ربما أجد حتى صعوبة بالغة فى الكتابة ..
لكننى فقط أردت ألا أطيل فترة انقطاعى عنك لمدة أطول من ذلك ..لذا لن أقرأ ما كتبت لتنقيحه قبل إرساله لك ..لأننى بالقطع وقتها لن أرسله ، لذا فأرجوك سامحنى إن كان خطابى بعد انقطاع أربعة أشهر مخيباً لآمالك، واعتذر إن كان خطابى به شىء من الطاقة السلبية ، وإن وجدته بمثابة مسودة تثير اشمئزازك ..فتذكر أن للصديق حق على صديقه بتحمله فى كل حالاته، وأرجو ألا يؤثر ذلك على قرار زيارتك لكوكبنا ، فمازلت أنتظر هذا القرار ..وهذه الزيارة.
من كوكب الأرض
مع تحياتى ،،
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)