الخميس، 19 نوفمبر 2015

ما وراء الطفولة

ربما جاوبتنا علوم ما وراء الطبيعة والفيزياء، وكل تلك العلوم المختلفة بفروعها المتعددة التى لم أتمكن  يومًا من التفرقة بينها على نحو دقيق، فلم أفهم أى علم يهتم بماذا بالضبط؟ تتداخل حدود العلوم وتُربكنى، فلا أعى ما يتعيّن علىّ  فعله إن استعصت نقطة ما  فى هذا الكون على فِهمى، فى أى علم سأجد الإجابة..أين أبحث لتتلاشى علامات الاستفهام ويزول الغموض وأهتدى للإجابات؟


ربما قدمت لنا هذه العلوم الأجوبة وفسروا لنا كل ما نعانيه ونعانى منه، ولأننا لم ننتبه جيدًا، ولأن تلك التفاصيل المعقدة لم استسغها يومًا، ولم يستوعبها عقلى كما ينغى..فاتتنى الإجابة وظلت علامات الاستفهام بلا تلاشى..وبقت الأسئلة بلا حسم.


عشت عمرًا وأنا يُربكنى أن أصادف موقف أشعر أننى قد عايشته من قبل بشتى تفاصيله،  ليخبرنا العلم بأن ظاهرة الديجافو ترجع إلى خلل  ما فى الذاكرة والأعصاب ..ثم بعض التفاصيل  العلمية المعقدة.. لكنه - أى العلم- يمتلك الإجابة ..هكذا ببساطة.


ربما كل ما نعانيه أيضًا له تفسيره العلمى، ربما تستأثر التفاصيل العلمية المعقدة  بالإجابات لمن يستسيغون فهم طلاسمها، وتتركنا حياري.


قياسًا على الديجافو، قد أكتشف يومًا أن ثمة تفسيرعلمى لما كنت أفعله فى ذلك الزمن البعيد وأنا طفلة، حينما كنت أتصور نفسى مُعلّمة فأطيح ضربًأ في كل الوسائد والمقاعد بالمنزل، يبدو الموضوع أعمق من كونه ترهات طفولية عايشها كل صغار السن.. يبدو أننا كنا نُمهّد لما سنلاقيه فى شبابنا، حينما تعصانا بعض الأشياء المحببة..تتوه منا فى الزحام..نبذل مجهودًا خرافيًا للحفاظ عليها والتمسك بها.. يصبح الموضوع تعجيزيًا ومرهِقًا ومستنزِفًا، نعيد الكَرة..نستعيدها أحيانًا..ثم تهرب منا مرارًا وتتوه في الزحام، ثم نعيد البحث عنها..ثم نُرهَق ونُستهلَك ونمِلّ،  أتمنى كثيرًا لو أن كل تلك الأشياء المحببة إلى قلبى..لو أن كل تلك الأوقات الجميلة..لو أن كل الأشياء المعنوية كان يمكن الإمساك بها ..لا للإبقاء عليها.. وإنما لأطيح فيها ضربًا يوازى كل ذلك الإرهاق النفسى الذى عايشته وهى تراوغنى.


يبدو أننا كنا أطفال ذوى رؤية ثاقبة..ونجيد قراءة المستقبل، وقد يثبت لنا يومًا العلم الحديث ذلك.


لكن هل بإمكان العلم أن يقدم لى إجابة بشأن معايشة أحاسيس طفولية فى عمر كبير؟ ربما طمأنتنى صديقتى بما كتْبته يومًا على الفيس بوك بأننى لا أعانى انحرافًا فى مشاعرى، حينما كتبت: " حساها معيلة أوى..بس أنا عايزة ماما"، بادرت وقتها  بالتعليق على ما كتبته: " دى مش معيلة على فكرة" ..ربما أُطمئن نفسى الآن بتذكر تعليقى فأتمتم لنفسى " دى مش معيلة على فكرة..دة إرهاق ..وتعب"، وكما قال عمر طاهر يومًا " الاعتراف بالتعب لا يدين أى شخص، بل يجعله مجاهدًا..مادام صامدًا". 


إذن ربما يمتلك العلم إجابة عن كل صباح أشعر فيه كأننى طفلة لا تريد إلا أن تنزوى فى ركن لتبكى احتجاجًا على الذهاب للعمل ومواجهة العالم، صحيح أننى لا أذكر أننى كنت أبكى وأنا طفلة عند ذهابى للمدرسة، لكن أمى قد أخبرتنى بذلك، وبدورى يمكننى أن أؤكد لها أننى أعايش الإحساس ذاته فى سنى هذا، بلا مَريلة أو مدرسة، وأحيانًا بلا دموع، ومع ذلك يتطابق الإحساسان، هل يمكن للعلم أن يفسر كيف يتطابق تمامًا إحساسان فى ظروف مختلفة؟ أو هل يمكنك يا أمى أن تخبرينى ماذا كنتى تفعلين معى وقتها؟