الجمعة، 13 فبراير 2015

أنا واخى

كانت البداية آنذاك ..
وقت أن أقتضت ظروف سفر أمى أن أتحمل مسئولية المنزل لشهر كامل ، حينها تماماً أستوقفتنى علاقتى بأخى الأصغر ، ذلك الشاب الصغير تلميذ الثانوية العامة وقتها .


مسئولية ما كانت تملؤنى تجاهه هو تحديداً من بين  تفاصيل أسرة بأكملها ألقت على عاتقى وقتها.. من بين تفاصيل عديدة مربكة ..مواعيد دواء أبى ..مواعيد إيقاظ أفراد الأسرة حتى لا يفوت أحدهم موعد مهم أوكلنى بتنبيهه له..أطعمة تنقص المنزل ..وأخرى فى حاجة للإعداد..ماذا سأعد غداً للغداء ..هل أخرجت الكيك من الفرن ؟


من بين قائمة طويلة  لا تنتهى ..كنت أخشى أن أقصر فى حقه هو تحديداً ..لا بأن يفوته موعد درس..ولا بأن يهمل فى استذكار دروسه وهو فى تلك المرحلة المصيرية على الصعيد الدراسى..بل كنت أخشى أن أقصر فى حقه كأخت كبرى تعلم جيداً ما يمر به من تغيرات جسام فى فترة تشكيل لشخصه على الصعيد الحياتى.


كنت أخشى من لجوءه إلىّ لاستيضاح تفصيلة حياتية ما ..كنت أسعد بذلك و أخاف فى ذات الوقت ..أسعد لثقته فى وأخاف منها..أخاف أن اخذله بتقديم إجابة خاطئة ..وأخاف أن يأخذنى مرجع دائم له فى حكمه على الأشياء...أتذكر فشير فى كتابه باب الخروج وهو يخاطب ابنه مشدداً على ألا ينخدع فيه كأب ..و أن يعلم - أى ابنه - أن والده ببساطة إنسان ، قابل للوقوع فى الأخطاء و عرضة لأن يشعر بالخوف .


كثيراً ما كنت أقلق إذا تأخر عن موعد عودته المعتاد للمنزل ..أسرع للاتصال به ، يخبرنى بينما تأتينى  أصوات أصدقائه عالية بجانبه ، بأنه سيمضى بعض الوقت معهم ،، أنبهه إلى أنه كان ينبغى عليه الاتصال أولاً ..أغلق الهاتف و أفكر ..هل أتمادى فى قلقى عليه ؟ 


أردد على نفسى  أنه صار رجلاً وعليكِ الاحتراس بعدم مطاردته .. لا أطارده فعلياً ، وهو ما يشفع لي..و إنما يطاردنى إحساس بمسئولية ما تجاهه ..لا أعبر عنه صراحةً ، لأرسخ داخله فكرة اعتماده على نفسه.


أفكر فى أمى ..كيف تشعر حيالنا جميعاً ..كيف لهذه المشاعر أن تنحصر فى جسد واحد تجاه جميع أفراد الأسرة ..التمس لها العذر هى وأبى لنظرتهما لنا  أنا و اخوتى على أننا صغار..أتذكر جملة من فيلم لا أتذكره هو شخصياً، بينما يوجه أب لابنه هذه العبارة : " هتفضل صغير مهما كبرت ..مش هتكبر عليا أبداً "..
اتذكر العبارة وابتسم فى داخلى إذ أرى أخى الأصغر صغير فعلياً حتى وإن صار طوله يفوقنى ويتطلب منى أن أنظر لأعلى و أنا أحدثه ، ثم أحرص حرصاً شديداً على أن اكتم هذا الشعور داخلى حتى لا يصله مباشرة ..أبلغه صرت كبيراً و بإمكانك الحكم على الأشياء ..وتزداد مساحة التماسى للأعذار لأبى وأمى لإصرارهما على رؤيتنا صغار  .


أهرب عن عمد من إمداده برأيى مباشرةً ، بعد أن وجدته يكثر من السؤال عن رأيى ..أخشى أن يؤثر ذلك على قدرته فى إتخاذ القرارت مهما بلغت تفاهة الأمر " ارتدى ذلك التى شيرت أم ذاك ؟ أذهب للجامعة غداً أم لا " ..أهرب ويؤلمنى إن شعر أنى لا أهتم ..وأعلم أنه سيعلم فيما بعد أن هروبى غرضه التقويم ، وأن أخلق فى داخله قدرة على اتخاذ قرار فيما سفه من أشياء ..لكيلا يقف عاجزاً فى يوم ما عن التحرك بدون توجيه امام الأمور الكبيرة.. أبقى نفسى بعيدة بعض الشىء..أعطى مفاتيح للإجابة حتى لا اتركه حائراً تماماً ..ثم أترك له القرار.


أسعد به وأنا أراه رجلاً يسافر بمفرده مع أصدقائه .. وأنا اراه يأخذ قراراً بتجربة عمل فى فترة الصيف  ..أطمئن وتقل حدة ما أشعر به تجاهه..ابتسم داخلى و أنا أراه يفضل الخروج مع اصدقاءه بينما يتلكأ فى الخروج معى..أدرك وقتها أنه وجد عالمه الخاص.