الخميس، 19 ديسمبر 2013

بلوتو الدور الرابع

على ..أين أنت يا صديقى ؟

كيف مرت كل هذه الأعوام دون أن نسأل عن بعضنا البعض رغم عمق ما كان بيننا يوماً ،ورغم إيماننا التام بضرورة أن نبذل جهداً فولاذياً للحفاظ على قوة علاقتنا شأن أى شىء يريد الإنسان أن يحتفظ به دون أن يدع مجالاً لزحام و سخافة الحياة أن يتسربا من أضيق ثقب ف العلاقة ..جاهدنا يا على حتى لا يحدث ذلك..أو ربما لم نجاهد بالشكل المطلوب..سمحنا للثقب أن يتسع ..ولسخافة الحياة أن تحتل مكان شيئاً كان ضرورياً .. شيئاً كان بمثابة غذاء الروح الذى نقتات منه و نعيش عليه..اتسع الثقب ..ازدادت سخافة الحياة و هشاشتنا فى مواجهتها..ذبلت أرواحنا و بهتت حماسة إقبالنا على الحياة..تحولت الحياة فجأة إلى مجموعة ثقاب كلاً منها كان يمثل يوما ً شيئا ً كبيراً جوهرياً..وأعادت الحياة تشكيله - مع سماحنا لها بذلك- وحولته إلى ثقب..ثقب فى القلب ..مجموعة ثقاب فى القلب يا على ! 


هيه..ما علينا ..


أخبرنى عن حالك يا صديقى ..عشرة سنوات مرت علينا لابد أن تغييرات جذرية قد حدثت فيها ..وأرجوك لا تتحول لذلك الكائن المبتذل الذى يدّعى أن شيئا ً لم يتغير و أن الحياة راكدة.. ربما لأن تغييرات غير مرغوبة قد حدثت أو لأنها ليست هى التغييرات المنتظرة و المتوقعة ننفى حدوث تغييرات..لكن الحقيقة أن كل عام يفرق يا صديقى فى تكوين المرء..يلغى فكرك أشياء كانت مهمة فى مرحلة ما و يستبدلها بأشياء أخرى..تتغير قائمة أولوياتك وإهتماماتك و نظرتك للأشياء..ألا تنظر يا على لأشياء كنت " موّقف الدنيا عليها " فى يوم  ما و لكنك تتذكرها الآن ضاحكاً من سذاجتها و سذاجتك؟! ..ألم يكن لك فى يوم ما هدف و لكنك لم تبلغه أبداً وبدلاً من ذلك حققت إنجاز أخر لم تخطط له تماماً  ووضعتك الحياة فى طريق مغاير كلياً ..و للعجب قد تكتشف نفسك فيه ؟! ولكنك ستظل يا صديقى طول الطريق تسير كالأبله فاتحاً فمه غير مستوعبا ً تلك المنحنيات التى مررت بها..فتجد نفسك بدرامية ما ..فى لحظة ما..تقف فى المنتصف تماماً..مندهشاً من حلم لم تبلغه ..ومن هدف بلغته دون أن تقصده ..وهو لو تعلم أمر شاق ومرهق للنفس ..فإذا استسلمت لحالة التوهان تلك ربما ينتهى بك الأمر لمكان لا يفضى لأى مكان!


تغيرنا يا على و تغير كل شىء حولنا..و بالمناسبة ليس الأمر درامياً ..لا أريد أن أبدو كبرامج التوك شو بتركيزى على الجوانب المظلمة فقط..للحق فثمة جوانب إيجابية كثيرة تكتسبها بمرور الوقت ..تكبر وتتتغير فتصبح أقرب من ذاتك و مما تشتهيه فعلاً..تتبلور فى ذهنك شخصيتك مع الوقت ..تجد أنك أصبحت سيد قرارك فى بعض الأمور لتحسمها بمفردك..هنا تماماً  تعى أنك كبرت..هو أمر جميل و لكنه صعب يا على ..صعب للغاية ..فجأة ستجد أن كل تلك الأمور الصغيرة التى تتطلب منك قراراً باتت تسبب لك ضيق من نوع ما..سلسلة قرارت لا تنتهى أبداً ..مع الأخذ فى الإعتبار ان بعض القرارت يترتب عليها شكل حياتك القادمة.


أحياناً أجدنى غير قادرة على التحديد..لا أعلم إن كان قرارى سليم أم أن حماقة ما تحيط به..ورغم أننى مؤمنة تماماً بأن لا مشكلة تماماً فى أن تخطىء ..إلا أن المشكلة فقط  تكمن فى تلك القرارت التى تمس حياتك القادمة كما أخبرتك..قرار واحد غبى قد يمتد تأثيره لسنوات..قد يكلفك عمراً بأكمله..أخاف  كثيراً من ذلك..الإعتراف بالخوف غير مشين يا على كما يظن بعض سكان كوكبنا..ليس جبن أن تعلن خوفك..الخوف شعور إنسانى لا يضيرك إن اعترفت به..أتعلم يا صديقى أن الناس هنا تتملكهم إزدواجية تدهشنى كثيراً..يتعاملون مع الضعف و الخوف و الحب بأنها نواقص على الرغم من أنهم جميعاً يعايشون هذه التجارب الثلاث..أرجوك يا على إن قررت يوماً ما أن تقود مركبتك الفضائية فى نزهة قصيرة لكوكبنا..أرجوك لا تدعهم يغّلفون عقلك هنا بأفكارهم البالية تلك..حِب يا على و خاف و اضعف..صدقنى لا ينتقص أياً من ذلك شيئاَ منك..هى أشياء مرتبطة بإنسانيتك و لا يضيرك أبداً أبداً ياعلى أن تسمح لإنسانيتك أن تتجلى و تأخذ مجراها الطبيعى..صحيح إنك كائن فضائى و لكنك كائن فى النهاية تسرى عليه الإنسانيات كما تسرى على غيره من الكائنات.


وعلى ذكر ماهيتك و كونك فضائى ..صحيح يا على يوم أن إبتدعتك فى ذهنى من عشر سنوات أنا و صديقاتى فى فصل 2-6 فى مدرستنا الثانوية ..هل كنا نعانى قصوراً ما فى خيالنا بحيث  نطلق عليك و أنت الكائن الفضائى "اللى ليه هيبته" مجرد  ذلم الاسم :على !


تخيل  الآن إن كنت ضخم للغاية ..أو تسير بقدم واحدة..ماذا إن كانت لك عين واحدة كبيرة فى منتصف وجهك..أو إن كانت لك قرون استشعار كبيرة تتدلى من فوق رأسك..سيبدو اسم على كوميدياً للغاية عليك..و ربما حّقر أصدقائك الفضائيين من شأنك و أتخذونك محل للسخرية..أرجوك يا على سامحنى إن ألحقت بك أنا و صديقاتى أذى نفسى من نوع ما..فكم نلحق ببعضنا البعض جراح غائرة بأفعال حمقاء كهذه دون أن ندرى مدى تأثيرها على من تلتصق به أوصافنا السخيفة تحت دعوى المزاح..أعلم يا صديقى أن جزء كبير من قبح الإنسان يقع فى لسانه..سامحنى يا على إن فعلت بك ذلك دون أن أدرى ..و سامحنى أكثر لأننى حتى و إن علمت اسمك الحقيقى لن أناديك به أبداً..أنا شديدة الإرتباط بالتفاصيل يا على..شديدة الإرتباط بالأيام و الناس و الأماكن..و أنت واحداً من الأشياء الباقية من زمن جميل..لذا ستظل فى ذهنى "على" حتى و إن كان لك اسم أخر .


كنا بنقول إيه ..اه ..شدة ارتباطى بالتفاصيل و الأماكن و الأيام و الناس تسقطنى كثيراً فى نوبات نوستالجيا قاتلة ..بشكل أو بأخر أجدنى غير مستوعبة لفكرة إن مكان ما ..بناسه ..بتفاصيله ..بذكرياته ..بكل ما يرتبط به قد أصبح جزء من الماضى ..فجأة يا على ستكتشف أن حياتك كالمسرحية ..ربما لها فصول كثيرة غير مرتبطة بعضها..و لكنها فى النهاية مسرحية واحدة..تتحقق وحدتها من خلال كونك أنت البطل فيها..الشاهد على كل هذه الفصول غيرالمرتبطة ببعضها البعض..الغريب فقط يا على أن بعض الأماكن بناسها بتفاصيلها لم أكن أحبها بذلك القدر الذى يصيبنى بوجع النوستالجيا ذلك عند تذكرها ..لكن أتعرف..يبدو أننى عاطفية يا على ..وبرغم أن تجاوزك لمراحل حياتك المختلفة دليل على نضجك ..أقصد نضج أن تكون لديك تلك القدرة على الاستمرار مع اختلاف الظروف وأن تترك فرصة للأيام لتأخذك لمراحل جديدة دون أن تتحول لذلك " الطفل العبيط اللى عمال يعيط على لعبه القديمة "..إلا أننى يا على كما تقول إليسا إحدى مطربات كوكبنا - والتى يرتبط دائماً معى صوتها بالشتاء-  " مقدرش أنا أعمل زى ناس..بينسوا و خلاص" ..أتجاوز كل مرحلة يا على..صدقنى أتجاوزها و لكن يبقى شيئاً منها عالقاً فى مكان ما فى الصحراء الغربية بقلبى ..أنا عاطفية يا على..و لا يضيرنى الإعتراف بذلك !



ربما بتحتم على ّ الآن أن أنهى خطابى..ولكننى أعدك إننى سأراسلك مرة أخرى..أو مرات عديدة..يجب أن أحدثك عن أمور كثيرة.."دول عشر سنين ياعلى " ..يجب أيضاً أن أحدثك عن هذا العام الذى أوشك على الإنتهاء و كيف أنه كان " بالعشر سنين على بعض ".


راسلنى من فضلك..صدقنى يا على كل الأشياء الجميلة تستحق العناء من أجلها..و أعدك أننى إن وصلنى خطابك سأبذل قصارى جهدى لفهم لغته..تماماً كما أثق أنك ستفهم خطابى هذا .. وحتى إن لم أتمكن من فهم خطابك ..أعدك أننى لن أستهين أبدا ً بما كتبت.. سأحترم كل ما يتضمنه خطابك حتى و إن كنت تحدثنى عن أشياء "عبيطة " سأحترمها لأنها جزءاً منك ..أعتقد أن ذلك كان الأساس الذى ساعد علاقتنا على أن تستمر طيلة العشر سنوات السابقة..المهم يا على هو الإحترام و التقدير ..ويحضرنى هنا مشهد منة شلبى -إحدى فنانات الجيل فى كوكبنا- وهى تقول لأمير كرارة - أحد فنانى الجيل برضه فى كوكبنا - : " حتى لو بقول كلام فارغ أنت لازم تسمعنى..اللى انت بتسميه أوهام دة جزء منى ..و إذا رأيك إن دة مش مهم يبقى أنا كلى على بعضى مش مهمة  "..المسألة تقدير و إحترام يا على ..و بقدر بسيط من الإهتمام تحجز لنفسك أكبر مقعد فى قلوب من تهتم لأمرهم..و لا شىء يقتل العلاقات سوى الإهمال ..الإهمال موجع يا على .. لا تستدرجنى الآن لمزيد من الحكى ..سأتوقف الآن و أتوقع منك رداً سريع ..التكنولوجيا و السنوات الضوئية ستتكفل بسرعة وصول الخطاب..أتوقع ذلك..و لحين إستلام خطابك ..لك منى كل التقدير و الإحترام


من كوكب الأرض ..مع خالص تحياتى 



إهداء لسمر صلاح و مها الديب..الشاهدتان على إبتداع شخصية "على "..و على كل تلك التغييرات فى العشرة ستوات السابقة ..و ما سبقهم..و ما يليهم إن شاء الله  :)