الاثنين، 15 سبتمبر 2014

بلوتو الدور الرابع 10- مين ابن مين ؟

عزيزى على ..صديقى الفضائى
                   

   
هل أخبرتك يوماً يا على أنك أول من يطل فى رأسى حينما أشعر أننى بحاجة إلى الكلام.. أشعر أحياناً بأنانية مفرطة منى إذ أتذكرك و أهرع إليك وقت حاجتى ..و لكن أرجوك لا تتعامل مع الأمر بهذا المنظور الضيق ،،وفكر فيما هو أبعد و أعمق من ذلك، يقولون يا صديقى أن بإمكان المرء نسيان من شاطره الضحك..ولكن من الصعب عليه نسيان من شاطره حزنه..رابط الحزن أقوى و أعمق يا صديقى ..وبطبيعة شخصية مثلى ربما تجد صعوبة فى الحكى  ..فسلاسة حكيى معك ربما تخبرك عن مكانتك فى قلبى .


أما بعد أن شرحت لك ما أعلم يقيناً أنك تعرفه..ولكن وجدت ضرورة للتأكيد عليه حتى يتجدد المعنى داخلك..دعنى أسألك،كيف حالك يا صديقى ؟


أتمنى أن تكون أفضل حالاً منى ..و لا تكون صريع تلك الحالة من التوهان..هل عاهدت يا على حالة عدم اليقين تجاه أى شىء بشكل كامل ؟ أن تقف مع نفسك أمام ما تمنيته طويلاً لتسأل نفسك هل بالفعل هذا ما تتمناه ؟

أيهما أفضل يا صديقى فى رأيك ..أن تنال ما تريده فوراً دون أوقات طويلة من الاستهلاك لنفسك سعياً وراءه، ثم تكتشف عدم مناسبته لك بعد انغماسك فى التجربة ؟ أم أن تستهلك نفسك طويلاً فى التأكد أولاً من مناسبته لك قبل ان تكون ألقيت بنفسك فى دائرة التجربة ؟


لا تتسرع فى الإجابة يا صديقى ..إجابة السؤال تعجيزية على أى حال و لا تبدو بالبساطة المتوقعة ..فإن قررت أن تحسم أمرك سريعاً و تُقبل على التجربة على اعتبار أن الحياة برمتها تجربة،فأنت عرضة للاستهلاك النفسى القاتل إن لم تكن النتيجة فى صالحك،خاصةً إن لم تكن من الأشخاص التى بإمكانها المرور على تجاربها الحياتية بعملية..فيدخلون فى تجربة و يخرجون من أخرى بخفة شديدة أجدها غريبة للغاية،،أما إن كنت تأخذ وقتك الكافى للتأكد من الأمر قبل إقدامك عليه فأنت أيضاً عرضة للاستهلاك النفسى من طول الانتظار لاستيضاح الأمور،و عرضة أيضاً لأن ترى كل شىء  باهتاً  ولا يتسحق أبداً مرارة و عناء الانتظار إذا ظللت تراوغه كثيراً و ظل يعصاك طويلاً..فماذا إذن يا صديقى ؟!


تحولت فجاة الحياة فى نظرى يا على لمجموعة من الأسئلة الممتدة على مر الصبر..أنظر فى الأفق فلا أجد نهاية مريحة ولا حالة بإمكانك أن تجزم أن بلوغك إياها سيعطى لروحك هدنة لالتقاط الأنفاس من هذا الإرهاق الحياتى المزعج ..أتغاضى عن ذلك و أحياها يوماً بيوم فيحيط بى الخوف و شبح الأسئلة من كل جانب ..فتكتشف فجأة أنك مازلت صغير و ضئيل جداً أمام الحياة..وهو شعور قاتل يا صديقى لو تعلم ..ذلك الشعور بأن تقف غير مستوعب مكانك وسط دائرة مفرغة  ترتبط فيها البدايات و النهايات و تتداخل،تقف ولسان حالك يردد بسذاجة مطلقة: " يعنى مين ابن مين دلوقتى " ؟!


هل تعرف ذلك المشهد العبقرى لجوليا روبرتس فى فيلم EAT..PRAY..LOVE ..حينما استرسلت فى البكاء مخاطبة الله ..تبكى و تطلب من الله أن يُلّقنها ما يجب أن تفعله ،وسوف تفعله على الفور..لا أجد مشهد أكثر منه قدرة على التعبير عنى حالياً يا على ..أريد فقط أن أعرف ما يتوجب علىّ فعله،وأنا سأفعله ..فلم أعد أمتلك الإجابات و لا القدرة على إتخاذ القرار المناسب حيال أى شىء مهما بلغت تفاهته..هل تعرف إرتخاء العضلات يا صديقى ..يبدو أنها  حالة لا تنحصر  فى الطب فقط..ربما تداهمك أيضاً حالة مماثلة على الصعيد الحياتى..إرتخاء تام فى فصوص مخك  يحول دون استيعابك للأشياء من حولك..عصيان تام من كافة عضلات جسمك التى تأبى أن تستجيب لك للتحرك حتى فى حدود متر ..حالة من اللا تفكير ..من اللا حركة  تجعلك غير قادر على  التفاعل مع كافة معطيات الحياة حولك!


أما ما يُثير دهشتى يا صديقى فهو سير الأمور بمنطق معاكس،،ففى الوقت الذى تظن  فيه أنك قد كبرت ومن المفترض أن تكون قدرتك على إتخاذ القرارات أسهل ..تجد أن مرحلة إتخاذ قرار هى الأصعب على الإطلاق..و أن كل قرار يؤثر بشكل أو بأخر على شكل حياتك القادمة ..فتكتشف أنك كبير صورياً يا صديقى ..صوريا ً فقط .


ربما كتبت زميلة لى عن أمر مماثل على صفحتها على الفيس بوك قريباً..وصاغت الحالة ببساطة شديدة  ،حينما قالت أنها حرمت نفسها طويلاً من الاستمتاع بأنواع طعام عديدة لمجرد ذلك الهاجس بداخلها أنها تعرف نفسها جيداً..وتعرف أنها لن تحب هذه الأطعمة..ثم استرسلت حكيها مسدِدة لنفسها سبة  بمنتهى التصالح مع النفس لتؤكد أنها لا تعرف شيئاً..و أننا جميعاُ لا نعرف  شيئاً.


الخلاصة يا صديقى ..أن هذا ما استخلصته من الأوقات القصيرة الماضية : أنت صغير جداً مهما كبرت ..ربما كان حميد الشاعرى و عمرو دياب ذوا بُعد نظر حينما تغنا بذلك..

الحقيقة يا صديقى إن احنا صغيرين أوى يا على ..وثناء جميل قالتها من زمان:" احنا صغيرين أوى يا سيد"!


هيييه..ما علينا
من كوكب الأرض ..مع تحياتى ،،