الثلاثاء، 12 أبريل 2016

بلوتو الدور الرابع 17 - الاستعانة بصديق

عزيزى على
                صديقى الفضائى من ذاك الكوكب البعيد، القريب جدًا بعكس ما تُقّره كل الحقائق والعلوم وحسابات المسافة والزمن.
                                                      كيف حالك يا صديقى؟ 

أكتب لك خطابى السابع عشر لأجرى معك دردشة حياتية تأخر كثيرًا أن نجريها وجهًا لوجه، هل لك وجهًا يا على؟ لا أظن انك كائن فضائى هلامى بلا وجه..أخبرتك مسبقًا أننى أتصورك كــ E.T، ، قد يصيب ظنى أو لا يصيب، لكن على أى حال لا أتصورك قبيحًا  أبدًا يا صديقى..أو بالأحرى لا يمكن أن أراك قبيحًا أبدًا، فبعض الأشخاص يُقّدر لنا ألا نراهم أبدًا بصورة سلبية مهما بدر منهم، ربما نتقبلهم لدرجة تقّبُل كل المزعج فيهم، لا أقصد أن تغفل عن رؤية السىء فيهم، بل تراه وتلمسه وتدركه، ثم لا يغير ذلك شيئًا فيك تجاههم.


المهم،

دعنى أدردش معك اليوم  فى فكرة أرّقتنى كثيرًا مؤخرًا، فلتعد  مج نسكافيه دافىء وتستعد للاستماع:


(1)

شاهدت منذ عدة شهور فى السينما ذلك الفيلم لبرادلى كوبر: Burnt، ولمسنى بشدة ذلك الخيط الإنسانى فى الأحداث، حيث كان البطل يريد أن ينجز كل شىء على النحو الأمثل..لا الأفضل فحسب، وفى الوقت نفسه فإن طلبه للمساعدة من الغير فى أى شأن حياتى، كان دومًا خياره الأخير والأصعب، هل تعرف يا صديقى معضلة أن تريد لكل شىء أن يتم بمثالية دون نواقص أو عيوب ..دون مساعدة أحد؟ لا لأنك لا تثق فى الأخرين..ولكن لأنك لم تعتد أن "تطلب"..وبالتبعية فالأخرين لم يعتادوا توقع أنك قد تحتاج للمساعدة.
 كنت أتابع الفيلم وأنا مشفقة بشدة على البطل، كنت أوّد حينها أن اقتحم الشاشة -على طريقة تصورات الطفولة بأن الأبطال موجودون داخل جهاز التليفزيون أو شاشة السينما- لإخباره أنى أعى تمامًا ما يعانيه.
على أى حال انتهى الفيلم بلجوء كوير لاختصاصية نفسية.


(2)

أتعرض لعدة نوبات صحية على مدار الثلاثة أشهر الأخيرة، فتداهمنى حالات إعياء شديدة..انخفاض فى ضغط الدم.. صداع.. اضطرابات فى النوم..وصولًا لفقدان الوعى كليًا مرتين، لا أخفى عليك يا صديقى قلقى على نفسى، ولا أخفى عليك أيضًا المردود النفسى السىء للأمر، شهران من تعاطى عدة فيتامينات ومقويات، إلى أن ذهبت للطبيب بالأمس، ليخبرنى بعد اطلاعه على الفحوصات أنى لا أعانى  من أى شىء صحى تمامًا، أقف أمامه مندهشة لأتسائل: " أومال أنا مالى؟"، ليبادرنى بالرد أننى أعانى من ضغوط عصبية انعكست على صحتى فأصابتنى بالإعياء، تقاطعه صديقتى التى اصطحبتنى رغمًا عنى للطبيب مؤكدة أننى لا أُنفّث عن أى ضغوط بشكل صريح، تشدد له على أننى أتعامل مع الضغوط بالصمت..بالصمت التام.
 طالبنى الطبيب أن  أعامل نفسى معاملة الأطفال- على حد تعبيره- وأن أشاهد يوميًا قبل النوم فيلم محبب..أو أن أفكر فى أمر مبهج،" طب والفيتامينات يا دكتور/ ملهاش لزمة" ...هكذا ببساطة!
كنت قبل مغادرة المنزل باتجاه الطبيب اسأل جدتى " عايزة حاجة يا تيتا؟"، فتجيبنى بدعوة صادقة " انشالله ما تعوزى حاجة من حد أبدًا".. أفكر عند الطبيب في دعوة جدتى وأظنها كانت تحتاج جملة إضافية " وما تتعبيش عشان انتى مش عايزة من حد حاجة".


(3)
تخبرنى صديقتى البشوشة دائمًا..المحبة للحياة رغم أوجاعها، بينما كانت صريعة لإحدى نوبات الإكتئاب أن محاولتها للعب كل الأدوار مرهق للغاية، بل فاشل جدًا على كافة الأصعدة، سواء عمليًا من حيث إمكانية التطبيق الفعلى، أو نفسيًا من حيث القدرة على الاستمرار والمواصلة بنْفس راضية.
استرسلت مضيفة أنها كانت تسعد سعادة حمقاء فقط من عدة سنوات مضت، حينما كانت تجد نفسها موكل إليها كثير من المسؤليات، سواء في عائلتها لكونها الابنة الكبرى، أو في أسرتها الصغيرة باعتبارها زوجة يمكن الاعتماد عليها، لتستيقظ بعد عدة سنوات من سعادتها الحمقاء على حالة من عدم القدرة على فعل أى شىء..كبير أو تافه.



هل وصلت لك يا صديقى الفكرة؟
نحن بشر يا على، مهما بدت قدرتنا على التحمل عالية إلا أننا " نازلين بأوبشن إننا بنتعب..عادى"، تضم أرواحنا القوة والضعف معًا،فلا يضيرك يا صديقى أن تضعف أو تستسلم لتعبك أو أن تصرح باحتياجك للمساعدة، أعرف أننا في مجتمع قاس للغاية ربما لا يتيح لك الفرصة كاملة لذلك، ولكن قد يكفينا ألا نقسو على أنفسنا بتحميلها ما لا تطيق، أما المثالية يا صديقي فدعنى أخبرك أنها مجرد كلام فارغ.. ترهات  تضغط بها نفسك لا أكثر، لتكتشف في النهاية أن " كله محصل بعضه"، وأن كل الطرق تؤدى إلى روما.

 درّب نفسك يا صديقي على تقبُل ضعفك وحاجتك للمساعدة..ودع المثالية جانبًا، وتذكر فقط أن بعض المسابقات لا يمكنك الفوز فيها إلا من خلال الاستعانة بصديق.

دمت بعيدًا عن كل إرهاق..وضعف ..وعوز يا صديقي.

                                                                 
                                                                                 من كوكب الأرض.
                                                                                    مع تحياتى،،