الثلاثاء، 14 أكتوبر 2014

بلوتو الدور الرابع 11- تنمية بشرية

عزيزى الفضائى على ..
                        بعد السلام و التحية

أكتب لك خطابى الحادى عشر ،بينما استمع لتلك المقطوعة الرائعة من فيلم  الكيت كات :  "بسكاليا "  ، لن استرسل فى الحكى لك عن الفيلم و لا عن المقطوعة..ولا حتى عن الشيخ حسنى..بإمكانك عمل سيرش عنهم جميعاً بواسطة تلك السيرفرات الموجودة فى رأسك ..اعتقد اننا سوّينا هذه الإشكالية فى خطاب سابق ،وانتهينا إلى حل وسط يقتضى بأنه حينما أحدثك عن شىء فى كوكبنا لا تستطيع فهمه  بإمكانك البحث عنه لتخيل ما أقصد..أو فقط بإمكانك أن تعيرنى بعضاً من انتباهك..وشيئاً من الاستماع الصادق،فتذوب الإشكالية وكأنها لم تكن.


صدّقنى يا على لا يهّم أن تفهم كل ما أقول..المهم أن تتفهم أهمية الاستماع ..وأن تحاول أن تفهم..فقط المحاولة بإمكانها أن تغفر لك ،حتى وإن كانت النتيجة  سلبية..لكن سيظل فى النهاية هناك أمر جميل..وهو أنك حاولت..محاولة مخلصة..لا إدّعاء بالمحاولة تشهره فى وجهى لتخليص ضميرك لا أكثر.



المهم..
طالما قرأت مؤخراً عن أخبار بشأن ارتطامات متوقعة بالأرض من نيزك ما..أو اقتراب شهاب ما من الأرض لدرجة غير مسبوقة، أتخيل فى كل مرة أنك  ستكون جزءً من الحدث..وإنى سأراك تقود مركبتك الفضائية بمهارة تستحق الاندهاش من فرط دقتها..لكن مهما شطح بى الخيال وعبث برأسى لا أستطع أبداً تصور أننى أحتسى النسكافيه معك وأخبرك بعضاً مما يجول فى خاطرى،بينما الكوكب تغمره ألسنة لهب،وتزدحم الطرق بصفوف طويلة من السيارات التى يحاول أصحابها الهرب بعيداَ عن غزو الفضائيين ..فيتسببون فى مزيد من الهلع والعشوائية ،النسكافيه و الاسترسال فى الحكى يحتاجا صورة أكثر كلاسيكية بدلاً من هذه الفوضى.

لذا دعنى أخبرك عن كل هذا الكلام المؤجل ،لأنه على ما يبدو لن يرتطم أبداً أى نيزك بالأرض ..وماهذه الأخبار إلا ترهات صحفية ..صارت من فرط تكراراها لا تحرك بداخلك أى مشاعر نحوها..لا بالتصديق ولا بالتكذيب ولا حتى بالاشمئزاز منها..مجرد أخبار لا تملك مع قرائتها إلا النظر لها نظرة باردة لا تنّم عن أى مشاعر..تماماً كنظرة دينزل واشنطن فى فيلمه الأخير The Equalizer  ..و بالمناسبة هى نظرة مثالية جداً تليق بكثير من الأمور الحياتية حولك.



كنت أفكر مؤخراً يا صديقى فى جدوى كل تلك الأمور المؤلمة التى قد يصادفها المرء فى حياته..ودعنا نترك التجربة من منظور حكمة الله و ابتلاءه لك ..دعنا نستخلص سوياً بعض الأمور المستفادة من كل هذه الأوجاع على صعيد إنسانى بحت..
ستندهش يا على من نفسك حينما تختبر الألم..ستصمد فى وقت تتوقع فيه الانهيار،بينما تنهار فى وقت لا يستدعى تلك الاستجابة..سيكون درساً عليك الانتباه له : أنت لا تعرف حقيقتك كما تظن..بل تعرفها مع الوقت ..تماماً كما تحتاج لفترة من الوقت و بعضاً من المواقف لتظهر لك حقيقة شخص أخر..ينطبق الأمر ذاته مع نفسك صدقنى..و بالمناسبة تقترب أكثر ما يمكن من نفسك فى الأحداث الاستثنائية..و ليس فى المواقف العادية الروتينية المألوفة.



اكتشفت أيضاً يا صديقى أنه لن يكفيك أن تكون شخصاً مسالماً  لا يؤذى غيره حتى تسلم من سخافات الآخرين..لن يدفع ذلك المشاكل بعيداً عنك ..وربما يقودك هذا للجنون ويجعلك ترى العالم حفنة من الأوغاد..ولكن ثق دائماً و أبداً أن نيتك الصافية ستقودك لنهاية كنيتك..العدل موجود يا صديقى..حتى و إن كان مجرد قطرات صغيرة ..لكن يوماً ما سيقتص لنا الله ويمطرنا بعدله..حتى وإن لم نعاصر ذلك اليوم فى حياتنا..مجرد اليقين من داخلك بعدل الله..يجلب لك سكينة عميقة ..ويشعرك بمواساة حقيقية.



الألم والفقد و العثرات الحياتية و الخذلان و المرض ..إلى أخر ذلك من كل التجارب المؤلمة..جزء من الحياة يا صديقى..لذا لن يُجديك نفعاً ترديد ذلك السؤال العبثى : لماذا أنا ؟ ..أعرف يا صديقى أن هذا السؤال يتسلل لخلفية عقلك فى كثير من الأمور التى تواجهها،حتى و إن طردته سريعاً من رأسك و استغفرت خالقك..نظل فى النهاية كائنات ضعيفة تتسلل إليها تلك الأسئلة من ثقب ما  فى نفوسنا الهشة الضعيفة، لذا عليك أن تساعد نفسك فى مواجهة هذا السؤال..ضع فى يقينك أن كل هذه التجارب جزء من اكتمال تجربتك الإنسانية ..عليك أن تعاصر شتى المعانى ومختلفها لتكتمل تجربتك الحياتية  ..هوّن عليك بترديد هذا على نفسك: كل هذه التجارب جزء من اكتمال تجربتك الإنسانية..جزء من خبرة حياتية ستصقلك وتعينك على مواجهة الأيام..صدقنى يا على هذا الكليشيه المستهلك بأن كل تجربة حياتية مزعجة تعيد تشكيلك على هيئة شخص أقوى..حقيقى..حقيقى تماماً..
دعنى أضرب لك مثلاً يقرّب لك ما أقصد: إذا واجهت مشكلة ما..ألا تلجأ لشخص عايش أمر مشابه لاستشارته؟..ألا تشعر أن مَن مر بتجربة مماثلة وحده القادر على فهم ما تمر أنت به؟..هذا ما أقصد يا صديقى بالضبط ..مرورك بتجربة ما حتى و إن كانت موجعة..يضيف لك فى النهاية معنى جديد ..يضيف عمق لتجربتك الإنسانية..يزيد من عمق معرفتك ببواطن الأشياء


وبالمناسبة..إياك أن تلقى بنفسك فى دائرة المقارنات مع غيرك..إياك يا على ..فكما يقول ذلك القول المأثور: 

" comparison is the thief of joy"..المقارنة هى لص السعادة يا صديقى..لذا عليك أن تفر من هذا السؤال المستهلك " لماذا أنا " كلما أطل على راسك..عليك أن تجاهده قدر استطاعتك.



وحتى لأ أطيل عليك يا صديقى بقى لى أن أخبرك أنه عليك ألا تفزع ..لا تفزع ..حاول قدر الإمكان..أعرف أن المسألة ليست بهذه السهولة و لكن حاول ..حاول قدر الإمكان ألا تضخم كارثية ما تمر به أياً كانت كارثيته..حاول ألا تستهلك نفساً أكثر من اللازم..أضعف..أحزن..لا ضير فى ذلك،ولكن فقط تذكر أنه فى نقطة ما عليك أن تجرى عمليات إفاقة لنفسك،وضع فى يقينك أنه حتى وإن كان دعم الأخرين مطلوب ..لكن فى النهاية  تظل أنت بطل قصتك،وحدك القادر على ترتيب فوضى نفسك بشكل حقيقى،أما السبيل لتحقيق ذلك ففقط بإيمانك أننا لن نخرج من هذه الحياة أحياء على أيةَ حال..إذن ..فلتتعثر.. فلتفقد مَن تفقد..وتخسر ما تخسر..ولكن فز بنفسك على الأقل ..بنْفس محبة للحياة قدر الإمكان،وفى حدود ما تتيحه لك الحياة..نفس غير ناقمة و لا قانطة.


اعذر لى نغمة التنمية البشرية  فى خطابى..لكن ربما نحتاج أحياناً تذكير أنفسنا بهذه الأشياء.. التذكير بأننا جميعاً كالشيخ حسنى ..صحيح أننا نقود الدراجة البخارية دون سيطرة حقيقة على خط سيرها..لكن يبقى متاح لنا فى النهاية أن نستمتع بتجربة قيادتها فى كل الأحوال.



دمت بعيداً عن كل ألم و خذلان وفقد يا صديقى..ودمت قوياً إن عاصرت تلك التجارب

من كوكب الأرض

               مع تحياتى ،،