الاثنين، 16 مارس 2015

بلوتو الدور الرابع 13- حتى لا نهرتل

((إهداء إلى صديقتى التى تعلم نفسها جيداً))


عزيزى على، صديقى الفضائى القريب جداً..البعيد جداً

كيف حالك يا صديقى ؟


دعنى أخبرك مباشرةً بما أنتوى قوله بلا أى مقدمات..

أخبرتك فى خطاب سابق أننا  أحوج ما يكون للوضوح والمباشَرة بدلاً من كل هذه المقدمات التى إن سلمنّا أنفسنا لها واستغرقنا فيها، قد ننسى أن الهدف فى النهاية هو الوصول لنهاية أصلاً، وبالمناسبة فالأمر قابل للتطبيق على شتى شئون الحياة، فالإغراق فى المقدمات والتفاصيل الجانبية لا يعنى بالضرورة حسن الاستعداد لما تمهد له.. بل قد يشتتك ذلك ويجعلك تنجرف بعيداً عن الهدف النهائى،  اهتمامك بالتفاصيل مهم يا صديقى، بشرط ألا تنغمس فيها على حساب الرؤية الكلية للمشهد عموماً، وإلا أهدرت طاقتك واستنزفت نفسك فى الاهتمام بأشياء لن تصل بك فى النهاية لأى شىء حقيقى،  وهو أمر مرهق يا صديقى ..مرهق للغاية أن تقطع مسافات طويلة لا تصل بك فى النهاية لأى مكان، فلا يطالك سوى عناء المشوار.


دعنى أخبرك مباشرةً وبحزم أيضاً يا على أنك فى تلك المرحلة الحياتية فى أشد ما يكون للمباشَرة والحزم..صحيح أننى لا أعرف أصلاً أنت فى أى مرحلة فى حياتك الآن، ولا أذكر إن كنت يوم ابتدعتك فى خيالى  فى تلك السنوات البعيدة قد رسمت لك فى مخيلتى عمر محدد، بل فى الواقع لم يصل حتى خيالى يوماً لمتوسط أعمار الفضائيين، وبناءً عليه فمحتمل  أن  تكون كبراد بيت فى ذلك الفيلم حينما كان عمره يسير فى اتجاه معاكس ..وُلد عجوزاً ثم تصابى مع السنوات ، غير مستبعد..فأنت فضائى ولابد أنك تختلف عنا نحن مخلوقات الأرض كثيراً، غير مستبعد..لكنه غير مهم..فالمهم دائماً هو وجود أرضية مشتركة تحتوى كل الاختلافات لتذوب الخلافات، وأنا أعلم أنك ستعى ما أقول وتتفهمه، وهذا ما يعنينى.


المهم..بالعودة لموضوعنا

دعنى أضع أمامك تلك الخبرة المحدودة التى ربما تُجنبّك بعض الأذى إذا ما انتبهت لها ..الحزم يا صديقى لا يقتصر معناه فقط فى تدخلك القوى والحاسم مع الآخرين من أجل رسم الحدود التى تضمن لكم جميعاً العيش فى سلام دون تجنى أحد على الآخر، فمثلما ترسم  الدول حدودها ومياهها الإقليمية ومجالها الجوى، لتعرف جيرانها من الدول مالها وما عليها، لكيلا يحدث اختراق لتلك الحدود قد يتطور لنزاع حقيقى، نحتاج أيضاً كأشخاص توضيح الخطوط الفاصلة فى تعاملاتنا مع الاخرين، حتى لا تحدث بيننا أزمات قد تتطور لنزاع حقيقى أيضاً، لكن ليس هذا ما أقصده فقط ،  لا يقتصر الحزم يا صديقى على هذا المعنى الكلاسيكى فحسب، هناك نوع أخر من الحزم  إن امتلكته جنبّت نفسك الاستهلاك فى اللا شىء ، وانتشلتها من الدخول فى صراعات حياتية أنت فى غنى عنها ، ..الحزم مع نفسك يا صديقى..أن تمتلك السيطرة على جموحك فتحجّمه فى الوقت المناسب ..أن تمتلك القدرة على التمييز لتحديد النقطة التى ينبغى عندها أن تعلنها صراحةً " مش لاعب" ، التوقيت يا على ..التوقيت والقدرة على أن تضع نقطة فى نهاية الجملة إذا ما أرتأى لك أنها لم تعد مفيدة وغير تامة المعنى.


أما المباشَرة  يا صديقى فهى ألا تضلل نفسك بتجميل ما ليس جميلاً، أن تكون على قدر من الشفافية مع نفسك فلا ترغمها على تصديق ما لا ينبغى تصديقه لمجرد كونك أضعف من أن تواجه حقيقة موجعة جافة ، صدقنى يا صديقى حقيقة موجعة خير من وهم جميل، لأن لا وجع يدوم مهما امتد زمنه، سينتهى وتبقى العبرة، وكذلك فجمال ما تقنع نفسك به كذباً سينتهى فى يوم ما مهما امتد زمن خداعك لذاتك، سينتهى وينطفىء بريقه الزائف، والخوف كل الخوف،  أن ينتهى ذلك بعد أن يطفىء فى داخلك  أنت الآخر شىء .


فأرجوك يا صديقى إياك أن تلقى بنفسك فى تلك الدائرة المفرغة، راجع نفسك بشكل دورى؛ لتقّيم ما تعيشه..فّنِد ما تشعر به، وكن حازماً فى حفاظك على ما يستحق، وفى ركلك لما يرهقك ، اركله بكل ما أوتيت من قوة خارج حياتك لتفسح مجالاً لما هو أصدق ..لما يشعرك باتساق وسلام حقيقى ، وإياك إياك  أن تكون ذلك الشخص البائس الضعيف العاجز عن اتخاذ قرار، أو أن ترتضى لنفسك بوضع لا يسعدك ظناً منك أن هذا كل ما تتيحه لك الحياة، فهذا سوء تقدير لنفسك يا صديقى .

وكما قال عمر طاهر فإذا لم تؤمن بوضع نقطة فى نهاية السطر..ستظل تهرتل إلى ما لا نهاية.

من كوكب الأرض
                       مع تحياتى ،،