الاثنين، 26 يونيو 2017

بالنقائص نكتمل

"Friends can break your heart too"

صادفت منذ فترة تلك الجملة في أثناء تصفحي للإنترنت، تأملت لوهلة ما بها من تأكيد على أن الأصدقاء أيضًا بإمكانهم كسر قلوبنا، مررت على الجملة دون التفات كامل كمروري علي عشرات الجمل القصيرة التي تبدو براقة للكتابة كــ ( ستاتس) علي فيس بوك، ولكن لسبب ما ظلت عالقة في وجداني.







طالما كنت أعقِد في ذهني مقارنات بشأن تشابه فكرة الصداقة مع العلاقات العاطفية، حتي وإن بدت المقارنة غير صحيحة لاختلاف طبيعة العلاقتين، إلا أنني كنت أشعر دومًا بأن هناك نقطة تماس بينهما، وربما لذلك استوقفتنى العبارة السابقة، ما إذن جدوى كلمة "أيضًا" التى تتضمنها العبارة سوى التأكيد على أن نقطة التماس تلك بين الصداقات والعلاقات العاطفية موجودة؟



ربما يأتى التماس من أن ما تفهمه كخلاصة حياتية من تجربتك الإنسانية مع صديق حقيقي مقرب، قد يفيدك بعض الشئ في تجربتك الإنسانية مع الآخر، والعكس بالعكس؛ ذلك أن الاقتراب الإنساني من صديق حميم قد يتشابه في بعض ملامحه من تجربة الاقتراب من الآخر، تمران معا بمواقف حياتية حقيقية .. نقلات حياتية من تجارب مرض، وفاة، سفر، عثرات مادية، نوبات اكتئاب، لحظات ترقب في انتظار حدث كبير، استعدادات لأحداث سعيدة، تسعدا معًا من إنجاز حققه أحدكما، ينفطر قلبيكما معًا لحزن ما طال أحدكما، إلي أخر ذلك من المواقف التي تجسد المعني الحقيقي للحياة، تعاصر في تجارب الصداقة الحقيقية كل ذلك، تري صديقك في لحظات فرحه وانتصاره وانكساره، تتشكل العلاقة حول هذا المحور: قبول غير مشروط لباكيدچ واحدة بما تحويه من مزايا وعيوب، تلمس العيوب وتقر بوجودها، ثم " تختار" بكامل وعيك الاستمرار دون أن يغير ذلك فيك شيئًا تجاه الآخر اللهم باستثناء بعض نوبات الانزعاج من هذه العيوب، التى يتجدد عقب انقضاءها عهدك الداخلى بالاستمرار، على طريقة ما تغنى به وائل جسار: " حبيته لما أنا شفت عيوبه، ومافيش أجمل من كدة"، وذلك حينما يقرر الصديق ألا يركض بعيدًا عن العيوب التى لمسها فى صديقه من باب "الاستسهال" أو البحث عن علاقة خالية من " وجع الدماغ"؛ لأنه فى الواقع لا علاقة بلا وجع فى المجمل، ويبقى المهم فى النهاية ما قيل يومًا عن أن "تكون بصحبة شخص تشعر معه بأقل قدر ممكن من الألم"، وأن تكونا سويًا بالنضج الكافى لاستيعاب أنه لا يمكن تجزئة علاقاتنا الإنسانية لاختيار ما يناسبنا فقط، لأننا أيضًا يشوبنا ما يزعج الغير، وأن نقص بعض الجوانب فى العلاقات ربما هو- وبعكس المنطق- من أسرار استمرارها، ذلك السر المتعلق بالتغافل، بتجاوزك وتجاوز الآخرين عن بعض النقائص إيمانًا بأن شتى العلاقات إنما تستمر بالفضل..لا بالعدل، بفضل التجاوز عن الهفوات، على نهج سيد مكاوى: "خلى شوية عليا.. وشوية عليك".


  يُقال  "من ابتغي صديقا بلا عيب عاش وحيدًا"، وأظن المعني ذاته ينطبق إذا استبدلنا كلمة صديق بحبيب


أفكر كثيرًا في سبب استمرار صداقتي بصديقتي عمري، رغم أننا فعليًا ثلاث شخصيات مختلفة، تعلمت من علاقتنا أن الاختلاف غير مخيف طالما هناك أرضية مشتركة بإمكانها احتواء الخلافات والاختلافات، طالما أن هناك ثوابت تجمع أطراف العلاقة فتصبح الاختلافات غير مفزعة، وربما صداقتنا تلك هي التى علمتني أن أقرب الأشخاص ليسوا هم من يطابقوننا تمام التطابق، ولكن هم من يكملوننا، يشد كل منا الآخر في اتجاه عالمه المختلف، فتدب الحياة في حياتك بفضل تلك الاختلافات، لتطرق أبواب عوالم أخرى لم تكن لتجرؤ على الاقتراب منها مالم يسحبك من يدك شخص ما مختلف عنك ليدفعك دفعًا نحوها.

 

أما الخلافات فهي أقوي أعمدة العلاقات بعكس ما قد يصوره المنطق بأن الخلافات تهدد الاستمرار، تعلمت من صداقاتي بالمقربين أن نشوب خلاف ليس الأزمة، وإنما الأزمة قد تنشأ من كيفية إداراة الخلاف، ومن طريقة استجابتنا له، لتتأكد لدي صحة ما يثار عن أنه مع كل خلاف يمكن وضع قاعدة جديدة للعلاقة، لتصبح الخلافات أعمدة تُبني عليها العلاقات، إذا ما كانت الاستجابة لها سوية، ونابعة من رغبة حقيقية في الوصول إلى حل، لا من رغبة طرف في إثبات أنه فقط علي صواب، وأن الطرف الآخر مخطئ بلا شك، تأكدت من تلك القاعدة بعد خلاف هو الأكبر بيني وبين صديقة مقربة، فزعت في البداية من أن يتحول كل ذلك التفهم بيننا لكل ذلك الشد والثورة من كلينا، لكن من يومها اطمأن قلبى لأن علاقتنا قوية، لأننا كنا بطريقة ما في وسط خلافنا نقسو جدا ثم نلين جدا، كانت كل واحدة فينا حينها كمن تصفع ابنها ثم تضمه إلي صدرها، فتأكدت أننا " مانهونش علي بعض"، تذكرت حينها حوار دار بيننا قبلها بسنوات حينما تخيلنا ماذا سيحدث لو اختلفنا، كنا من فرط تفاهمنا نخشي من لحظة الخلاف، ثم جاءت الإجابة بعدها بسنوات: لو اختلفنا سنكون كمن تصفع ابنها ثم تضمه إلي صدرها، وهو أيضا مفهوم قد يؤسس لقاعدة مهمة في العلاقات كافة: ألا يهون عليك الآخر.


بشكل ما تتلاقى علاقات الصداقة مع العلاقات العاطفية فى بعض النقاط، فيما لا يمكن وصفه بما هو أدق مما قرأته يوما عن توصيف العلاقة بين متحابين بأنهما "اثنان تآلفا على نقص"، وهو الوصف ذاته الذي يصلح  أيضًا للتعبير عن علاقة صداقة حقيقية يتآلف أطرافها على النقائص فيكتملوا برغم وجودها.