الثلاثاء، 19 نوفمبر 2013

لا بأس

عزيزتى القابعة خلف  شاشة اللاب توب  تكتبين هذه السطور بيد واحدة..بينما فى يدك الأخرى تمسكين مج النسكافيه كعادتك.. عزيزتى المندسة تحت هذا الغطاء على سريرك و أنت تحتضنين اللاب توب و النسكافيه معاً بما ينذر بأن كارثة ما ستحدث فى أى لحظة بأن ينسكب المج على الجهاز و رغم ذلك لا تتراجعين عن تلك العادة.. عزيزتى التى تضعين سماعات الرأس التى تحبينها كثيراً..تلك السماعات ذات اللون الأرجوانى بنفس لون البيجامة التى ترتدينها  و تستمعين لكل تلك الأغانى و الموسيقى المرتبطة معك بهذه الأزمنة البعيدة..النقية..البسيطة ..


نعم..عزيزتى أنا..هل لى بأن أرسل لك ذلك الخطاب .. و لكن هل نعقد إتفاقاً فى البداية..ألا يقولون أن العقد شريعة المتعاقدين ، و ما فهمته من نقاشاتى مع أخى  و الذى تطغى طبيعة عمله على كثير من أحاديثنا أن العقد لا يشترط أن يكون كتابيا ً..نعم حاول أحمد زكى شرح ذلك فى فيلم أضحك الصورة تطلع حلوة ..فى ذلك المشهد الذى وّبخ فيه كريم عبد العزيز مؤكداً له أن الكلمة وعد..النظرة وعد..يتشابه الأمر إلى حد كبير مع ما أقصده و مع ما أنتوى الإتفاق بشأنه..لذا فلنتفق شفاهة  على شيئين:
أولاُ  بأن استخدم لفظ جواب بدلاً من خطاب..فثمة ألفة من نوع ما أجدها فى كلمة جواب ..فدعينى استخدمها بدافع  الحميمية التى استشعرها فى الكلمة، أما ثانى نقاط الإتفاق هى أن تغفرى لى تطرقى لنقاط عديدة و متشابكة..تماماً كما فعلت من لحظات بتطرقى فجأة للحديث عن زكى و فيلمه..فى الواقع ثمة ارتباك من نوع ما أجابهه منذ فترة لا بأس بها..و أنت الوحيدة التى تجرأت و استجمعت شجاعتى للحديث معها فى الأمر ..لذا أرجوك أغفرى لى تشتتى و عدم إنتظامى فى عرض الأفكار.. شكراً لتفهمك مقدماً .


عزيزتى أنا..أعلم إننى تأخرت كثيراً فى التحدث إليك..شغلتنى الدنيا كثيراً مؤخراً..تعلمين أنه يتحتم عليك فى مرحلة ما أن تستسلمى تماماً لتلك الدائرة الحياتية المفزعة كنوع من رسم المستقبل العملى ..أكره تلك الحقيقة و لكنها محتمة ..على الأقل فى مرحلة ما ينبغى أن تكون لحياتك العملية أولوية..تعلمين و أعلم جيداً أن من إمارات النضج أن يتحمل المرء ما  يكره أملاً فى الوصول إلى ما يحب و يشتهى..و أن على المرء أن يتقبل الأمور " باكيدج على بعضها " ..فكما قرأت مرة ..الفصل بين الأشياء لا يحدث إلا فى قصص الأطفال..ربما قرأت ذلك فى رواية باب الخروج لعز الدين شكرى فشير.. أنا لا أكره عملى ..ربما يزعجنى فقط تلك الآلية التى نتبعها .."السيستم ضارب يا عزيزتى " ..و يكبدنا ذلك وقت كبير مستهلك فى اللا شىء..فضلاً عن أن الأمر يتطلب صفاءاً ذهنياً كبيراً لمجابهة هذا الضغط ..و أنا كما تعلمين كنت طوال هذا العام الصعب أبعد ما يكون عن صفائى الذهنى..ف البداية حاولت التصدى لحالة التوهان تلك بالاستسلام التام للعمل..ثم ما إن أكتشفت أن هذا الأسلوب يضللنى عنى و عما يزعجنى إلا و فعلت العكس تماماً..بت اتعامل مع العمل بتكاسل رهيب..فقدت حماستى للعمل تماماً ..أحمد الله فقط أننى لم أقصر إلا فى ذلك الجزء الخاص بعملى أنا..كنت أحاول قدر الإمكان ألا أقصر فى أى جزء من عملى يتوقف عليه أى شىء يتعلق بالأخرين..أما هذه الأجزاء التى لن تضر سواى فكنت أهملها..


أعلم أنك ستتفهمين أن الأمر كان رغماً عنى..لا يوجد إنسان يهوى إيذاء نفسه..لم أهمل عملى من باب " الرخامة على نفسى " ..بل ربما لأننى أردت ألا أكون قاسية مع نفسى..لم أشأ تحميلها عبء إضافى مع عدم الإتزان الذى مررت به..كنت فى أمّس الحاجة لوقت لا أفعل فيه أى شىء ..نعم..كان الأمر محبط إلى حد ما..ثمة أشياء كان يتعين على ّ إنجازها و لم أتمكن من الإنتهاء منها فى الوقت الذى حددته لنفسى..  لا أعلم..ربما تكون هذه ترتيبات إلهية فما أن أبدأ استعادة توازنى أنجز لتعويض تلك الأوقات المهدرة..ربما.


ربما كنت فى حاجة لوقت مستقطع مع نفسى لإعادة وضع أولوياتى بعيداً عن دوشة العمل .." انت عايزة ايه؟"  ..كان على أن أجلس إلى نفسى قليلاً طارحة عليها هذا السؤال..تعلمين مشكلتى مع النظرة العملية للحياة..تعلمين خوفى الكبير من أن اسقط فريسة لتلك الدائرة المفرغة التى تلتهمك دون أن تدرين..و تلتهم معها إحساسك بالأشياء..تعلمين أننى أخاف أشد ما أخاف أن أستيقظ يوماً ما و أجد أننى نسيت الحياة..نسيت كل تلك الأشياء البسيطة جداً المبهجة جداً ..تلك الأشياء التى تعد غذاء الروح..صدقينى كنت أسيرة صراع نفسى ربما لا أستطيع مهما أجتهدت فى شرحه أن اسرده على النحو الذى استشعرته..لذا كان يجب على ّ الجلوس إلى نفسى قليلاَ..

 نعم..جلسنا طويلاً ..

لا..لم أصل لإجابة وافية

..ربما أقتربت بعض الشىء من الإجابة ..ربما يقضى الإنسان عمره كله بحثاً عن الإجابة ..ربما يصل و ر بما لا ..و لكن يعزينى أنه حتى إذا لم أصل لها ..أننى أحاول ..أجاهد ..أصارع للنجاة من الاستسلام للسير فى الطريق لمجرد أنه المتاح..أجاهد لإكتشاف المعنى..و الشعور به ..و الاستمتاع به..أجاهد للوصول لكل ما يشبهنى ..إذن لا بأس ..لا بأس من عدم الوصول لما أشتهى سريعا ً..  يتسلل لرأسى صوت عمرو ..هو كدة طبع الحياة..هو كدة فعلا ً..ربما هذه كانت واحدة من الإجابات..هى كدة !



مرت السنة قاسية للغاية كما تعلمين..قاسية جداً ..على كل تلك الأصعدة..انعكس الأمر على ّ بفقدان الحماس لكل شىء  و أى شىء..كنت أهرب حتى من كل ماهو قريب إلى نفسى .. حتى كل ما أشتهيه وجدتنى فجأة أزهده..كنت فقط أجلس بمفردى..أقرأ ..أستمع إلى أغانى..و أحياناً أكتب ..كانت طريقتى المثلى للهروب.. وجدت عزاءاً من نوع ما فى هذا الاسلوب..آنستنى القراءة  و ألهتنى الأغانى ..أما الكتابة فكانت تنفيس بعدما تحول البكاء لرفاهية لا أقوى عليها.


كنت غير متزنة و كلانا يعرف الأسباب ..و كأن كل   الأسباب تكدست و ظهرت  لى مجتمعة فى هذا العام..تعلمين أن أقسى ما واجهت لم يكن فى صعوبة  المواقف نفسها ..و إنما فى أن أجد نفسى فى موضع متخذ القرار فى حين أنه ينبغى ألا أكون انا من يقوم بهذا الدور..كان عبئا ً كبيراً على ..هل تعلمين تلك العبارة لأحمد خالد توفيق بما معناه أنك أحياناً تريد أن تختبىء و تجعل الكبار يتصرفون..ثم فجأة تتذكر أنك أنت الكبار !

صار الأمر معى على هذا النهج..و قد كان عبئاَ معنويا ً كبيراً لو تعلمين..اعلم ان هذا معناه أن ثقة كبيرة يفترضها من هم أكبر فيك بتوكيلك بإتخاذ القرارت نيابة عنهم..ربما يعنى ذلك أنهم وجدوا فىّ حكمة أو نضج من نوع ما..ربما.. أعلم أنه شىء جميل..و لكن ليس بالضرورة أن  جمال شىء ما  ينفى عنه صفة الصعوبة أو ألا يتنافى جمال الشىء مع ما يُخّلفه من الشعور  بغصة ما  ..ذلك الإحساس القاسى و الذى يعلق فى روحك جرّاء هذا الشى الجميل..أليس كذلك؟ ..صدقينى يقترن الأمران..تقترن أعذب المعانى بأقساها و يتلازما


تعملين أيضاً أن  ذكرى لهذه النقاط لا يعنى بالضرورة استيائى مما حدث..أليس كذلك؟ أوتعلمين أن هذا الأمر أزعجنى كثيراً مؤخراً ..أقصد لماذا يعتبر الناس شكوتك من شىء ما نقمة على ما تواجهين ..ألا يعلمون أن مجرد الكلام..الفضفضة..مريحة للغاية..فقط لذلك أتحدث..أنا لا أشتكى..لا أنقم على ما أجابه..حاشا لله أساساً أن أعترض على أمر قد قدره الله ..و لكن أوليس الكلام ..الحاجة للكلام..طبيعة إنسانية؟!

.يزعجنى من يفاجئك بضرورة أن ترددى الحمد لله..أحمده فى كل لحظة و حين.. ليس هذا ما أنتظر سماعه..ربما لم أكن انتظر سماع أى شىء أصلا ً..ربما كل ما كنت أحتاجه مجرد دعم معنوى..فقط دعم معنوى ..استماع صادق لا أكثر ..بعيداً عن كل ذلك الكلام المستهلك و الجمل التى صارت فى حكم الكلاشيهات من فرط ما يتم إستخدامها ...ربما لهذا كنت أصمت تحاشياً لسماع ذلك الإبتذال.


و لأصدق القول..ربما كنت أصمت أحياناً إختصاراً للمسافات..كنت أعلم مقدماً ما سيقال فكنت أختصر الحكى و الردود المتوقعة فى الصمت.. كان يحتل رأسى فى هذه الأوقات ذلك المشهد من مسلسل خاص جداً على ما أعتقد..تعرفينه أليس كذلك..حينما كانت يسرا تردد على نفسها " جرى إيه هو انتى الكلام اللى بتقوليه للناس مش هتعرفى تقوليه لنفسك و اللا ايه " ..ربما كنت أتوقع الردود من فرط ما قدمتها لغيرى ..ربما .

ربما لا أعرف أساساً ما المغزى مما تسطره يدى الآن ..و لكننى أعرف أن هذا الأسلوب يجدى نفعاً معى.. أن آتى بى و أجلسنى و أحدثنى وصولاً للإتفاق معى على أمر ما..يبدو أمر جنونى و لكن لا تهم درجة منطقيته طالما أنه يجدى نفعا ً..ربما أجد فى يوم ما فى علم النفس شرح لهذا الأمر فيرتاح ذهنى قليلاً و أتأكد أننى لست مجنونة .


و ربما أردت أن أخبرك..أخبرنى بصوت عال بأننى وصولاً لهذه النقطة..لهذه اللحظة ..برغم كل تقصير ..إلا أننى استطعت ع الأقل أن أخرج بنفسى سالمة من كل هذه العثرات طيلة العام..كنت قاسية جداً على نفسى ..كنت أحملها فوق ما تعانيه مرارة جلد الذات ..مرارة العتاب ..إلى أن توقفت..حاولت انتشال نفسى من تلك الدائرة المفرغة التى لا تؤدى إلى أى مكان ..ألا ترددين طوال الوقت أن لا بأس ببعض الضعف ..هى طبيعة إنسانية و أنت إنسانة...إذن لا بأس..لا بأس ..اضعفى ..تنفسى ..اضعفى ..لا بأس ..صدقينى لا بأس..
ربما فى إيمانك بضعفك قوة التصالح مع النفس..لا بأس ..لا بأس ..لا بأس 


أما الآن..تحتل رأسى كلمات جاهين..هتنتهى و لا بد راح تنتهى..مش انتهت أحزان كتير من قبلها ..لا بأس :)