الأربعاء، 22 مارس 2017

بوسطة 5 - رانيا الخضرى..تانى :)

عزيزتى رانيا .. أكتب لكِ خطابى الثانى، بينما أنتِ تستعدين الآن  لصعود طائرة تُقلّك لتلك البلاد البعيدة، لكن ليس تأثري بسفرك هو السر وراء كتابتى لكِ، رحلتك قصيرة، وباعى مع السفر طويل، اختبرته فى غياب أحبتى مرارًا، وآلمنى قدر ما آلمنى إلى أن أصبحت مشاعرى تجاه فكرة المسافات جامدة، أظن أن الوجع الأكبر يكون دومًا فى اختبارك لشعور ما للمرة الأولى، فما أن يتكرر إلا وتعتاديه، لا يعنى ذلك أنك لا تتألمين من تكرار اختبار مشاعر قاسية، لكن كل ما فى الأمر أنك تعتادى الأمر..هكذا ببساطة.

لما أكتب لكِ إذن؟
أكتب لكِ بسبب ما قرأته عن أننا نحتاج فى أوقات الشتات لأن يتكرر على مسامعنا أننا محبوبين، أننا لازلنا نعنى شىء ما لمن نحبهم، تلك الأوقات التى يتسلل فيها للمرء ذلك الشعور اللعين بالشك تجاه كل شىء.. وكل الأشخاص، حتى المقربين، أو للأحرى ربما أول ما يصيبنا الشك فإنه يختار أن يتسلل لنا بشأن المقربين!
لم يزعجنى سؤالك يا صديقتى الذى أرسلتيه من قلب المطار عما تعنيه أنتِ بالنسبة لى، باغتنى السؤال لا أخفيك، لكنه لم يزعجنى،  ولم أراه ساذجًا كما تصورتى، أعلم ذلك الشعور جيدَا، إذ أنه ربما تسلل لى شك مشابه مؤخرًا فى كثير من مسلمات حياتى، ربما لم أهتدى بعد لإجابات حاسمة، لكننى عاصرت تلك الحالة الشعورية، وأعلم جيدًا حجم الارتباك الذى تترك المرء يصارعه.

لهذا تحديدًا أكتب لكِ الآن.. لأننا فقط نحتاج أحيانًا أن نطمئن أننا مازلنا فى نفس المكانة لدى من نحبهم، نحتاج أن نطمئن أننا لازلنا جيدين بما يكفى لنصبح محبوبين، وأظن أنه باب نمر منه جميعًا، ولندعى ما شئنا من القوة إلا أننا فى النهاية قد نستمد إحساسنا بأنفسنا ممن نفسح لهم فى القلب مكان، وكأنهم يمدوننا بالطاقة اللازمة للاستمرار، أو يوفرون لنا سبب وجيه يجعلنا نجدد صراعنا اليومى مع الحياة، وبحجم مكانتهم فى قلوبنا، نتمنى فقط لو أن لنا مكان مماثل فى قلوبهم.

أنا هنا لأطمئنك يا عزيزتى بكلمات أزعم انها أصدق ما أملك.. علّنى أستطيع بذلك  المساهمة فى انتشالك من أفكار تسحبك كما الدوامات لنقاط مظلمة كقاع البحر، ربما أتمكن بذلك الخطاب أن اسحبك بعيدًا عن الموجات تلك.

هل تذكرين ذلك اليوم فى العام الماضى حينما كنا ضمن منظِمي ذلك النشاط فى مقر عملنا، كنا على "الاستيدج" الممتلىء بالناس حينها، كلانا مكلفة ببعض الأعمال، واليوم يشهد حالة طوارىء بسبب ذلك الحدث الكبير، الحركة على "الاستيدج" تزداد، أفراد كثيرة تعلوه، نبتعد أنا وأنت وكل منا تنجز شىء ما، ثم تنظر كل منا للأخرى، ثم تكمل ما بدأته من انجاز بعض المهام، نظرة  خاطفة سريعة لا معنى لها سوى أننا نتفقد بعضنا البعض، ربما كنا نستمد شىء من الاطمئنان، ثم نكمل، تكرر الأمر أكثر من مرة، أذكر أننى سألتك فى إحداها، هل تريدىن شيء؟ فاجبتينى " لأ..بتطمن بس إنك هنا"، أنا أيضًا يا صديقتى كنت أتفقدتك لا لشىء سو لأتطمئن أنك هنا.

هل تذكرين ذلك اليوم الذى ذهبنا فيه لأداء واجب العزاء؟ كنتِ حينها منهارة، كنا نسير على ذلك الرصيف باتجاه العزاء، وما أن اسير إلى جانبك إلا وأجدك تحيطننى بذراعك، شعرت حينها أنك تناديننى لأتشبث بك، وأنك فى الوقت ذاته تطمئنينى وسط انهيارك أنك بخير ولا داعى لأن أقلق، عنى لى ذلك كثيرًا وقتها لو تعلمين، كنتِ أنتِ من تبكى، و"يطبطب " فى الوقت ذاته.

هل تذكرين يوم أن جلست أتحدث معك قريبًا فى ذلك اليوم عن مشكلة ما أواجهها، حينها أجبتينى: " بدماغ رانيا أنا هعمل كذا..لكن أنا عارفة إن دى مش دماغك..بدماغ سمر أعملى كذا".. ابتسمت حينها لأننى عرفت أننا وصلنا لمرحلة ما من التفاهم جعلتنا نقبل اختلافاتنا، كنتِ من قبل تهديننى الحلول فأخبرك أنها لا تليق علىّ، لا تتفق مع تركيبتى، قتضيقين بى ذرعًا كما لو أنى لا أريد حل، وأضيق بك ذرعَا كما لو أنك لا تتقبلى الاختلاف وتأبين إلا أن أطبّق وجهة نظرك، لكن حينما أهديتنى حلاَ فى ضوء شخصيتى، أهديتنى معه دون أن تدرى شىء من الاطمئنان أننا قد وصلنا لأرض مشتركة تضمنا رغم كل تلك الاختلافات بيننا.

أعدد لك مواقف جمعتنا لأعيد تذكيرك بأنك هنا.. لا فى مكانتك التى تظنيها فى قلبى، بل فى مكانة أكبر رتبتها الأيام والمواقف دون تدخل منكِ أو منى، أعدد لك المواقف؛ لأننا فى أوقات الشتات نحتاج من يذكرنا بأننا محبوبين، لأننا فقط نحتاج حينها أن نطمئن، فاطمئنى وأجمعى شتات نفسك.

وأعلم جيدًا أن ما أود إيصاله لكِ سيصل تمامًا كما أعنيه، إن صدقتيه سيصل، ألم تخبريننى من قبل إن "المشاعر بتوصل".. بتوصل..مش كدة؟ :)