الأحد، 1 يونيو 2014

بلوتو الدور الرابع 7- إنسانيات

عزيزى على ..صديقى الفضائى الذى تبعدنى عنه مجرات ..و تفصلنى عنه كواكب
كيف حالك يا صديقى؟



ربما أكون قد لخصت محتوى خطابى يا صديقى فى جملة التحية السابقة قبل أن أبدأه: "تبعدنا مجرات و تفصلنا كواكب"..لعنة المسافات يا صديقى..و ما أدراك ما لعنة المسافات !



أتعرف يا على أنها ربما الفكرة الأكثر قسوة فى تجربة " أن تكبر " ..أن تعتاد الغياب ..أن تسّلم بكل تلك المسافات بينك و بين كل هؤلاء الذين يطمئن قلبك لمجرد فكرة وجودهم قريبا ً منك دون أى تعقيدات جغرافية.


الفكرة الأكثر قسوة فى تجربة " أن تكبر " يا على هى أن تحاول التأقلم مع أفكار ترفضها فى أعماقك ..وأن يتعين عليك فى الوقت نفسه رغم رفضك و مقاومتك للفكرة أن تنضج و تتمكن من التعامل معها رغم قسوتها لتتمكن من الاستمرار و المواصلة..أن تستيقظ كل يوم لتخوض مفاوضات سلام مع روحك و أنت تقنعها بأنه يمكن الاستمرار وسط كل تلك الغيابات،لينتهى الأمر بهدنة سرعان ما تتبدد مع صراع روحك المتجدد..و هكذا .


لكن يبقى السؤال المحير يا صديقى..هل المغزى أن تستمر فقط أم أن تستشعر الحياة؟ أليس التأقلم نوع من القهر اللطيف..ألا تنطوى فكرة التأقلم مع وضع ترفضه فى أعماقك على شىء من قلة الحيلة و الخضوع ؟..أليس التأقلم نوع من تهذيب خدعة تعيشها فتحاول لا شعوريا ً إقناع نفسك بالقدرة على ترويضها و التعامل معها ؟.


أعرف يا على أن الإنسان لا يملك السيطرة على كافة الظروف التى تعترضه ..و أن القدرة على التأقلم ليست بهذا القدر الذى يعكسه كلامى من الاستسلام و الخنوع..بل أن القدرة على التأقلم ربما هى القوة..و كل القوة ،إذا تمكنت من مجابهة فزعك الإنسانى و لم تتحول لذلك " العيل اللى عمّال يعيط على حاجة ضاعت منه " !



و من هنا دعنى ألتقط خيطا ً أخر للحوار.. ما الضير يا صديقى من بعض الضعف ..ما المشكلة فى أن تترك بعض المجال لذلك" الطفل اللى عمال يعيط" بأن يسمج لإنسانيته أن تتجلى ..  لماذا أرسوا فينا أنه ينبغى عليك ألا تظهر ضعفك و خوفك و ألا تستخرج مشاعرك من أعماقك لتتمكن أنت أولا ً من فهمها بدلا ً من أن تتحول مشاعرك المكتومة تلك لأنات لا يمكن فهمها و لا علاجها ..لماذا دائما ً ثمة حواجز بين ما تشعر به حقا ً و ما تظهر به ع الملأ لمجتمعك..و لا يسرى ذلك  بالمناسبة على العاطفة فحسب يا صديقى بين رجل و امرأة..و إنما أقصده بمعناه الأعم و الأشمل للعاطفة..لكل العواطف الإنسانية ..لكل الإنسانيات..ما المشكلة يا صديقى فى بعض التعبير عما تمر به إن كان على حد علمى أن ذلك يعد فى علم النفس أسلوب فعّال .. أن تتحدث عن أوجاعك و مخاوفك و أحزانك  و أفراحك حتى بصوت عال .



تؤرقنى يا صديقى فكرة تعاطينا مع مشاعرنا و أجدها مغلوطة و مشوهة إلى حد كبير ..تعاطينا مع مشاعرنا يا على  نكسوه دائما ً و أبداَ بشىء من الإنتقاص لقوتنا ..مع إن الكتمان لا ينتقص إلا من إنسانيتنا .. يحولنا مسوخ..و يحرمنا من استكشاف وجه أخر للحياة و لأنفسنا.


ألا لعنة الله على المسافات يا صديقى ..و على حماقة تعاطينا مع عواطفنا ؟

هيه..ما علينا
من كوكب الأرض..مع تحياتى ،،