السبت، 12 أبريل 2014

ثورة الربيع النفسى

إن كنت على مستوى شخصى بحت -لا يمت بصلة مباشرة للسياسة- قد تعلمت شىء من سنوات ما بعد الثورة ..فهو درس خلاصته : كفاكِ سذاجة .


كفاك سذاجة التصديق المطلق لأى شخص..أو الإنبهار بأى شخص..فبقدر انبهارك تكن خيبتك فى النهاية..فكلنا بشر و كلنا خطائون،ولكنك حينما تدرك أن الأمر يتعدى كونه مجرد خطأ و أن ثمة حسابات و مصالح أخرى تتداخل فى القصة..تكتشف قدر سذاجتك للإنصياع وراء تلك الشعارات البراقة و الأمانى الزائفة و الطموحات الواسعة..فبلا مزيد من الاسترسال فى الكلام المرتبط نوعاً ما بالسياسة..بقى لى أن تستقر هذه القاعدة فى ذهنى..كفاكِ سذاجة.



ومن ربيع عربى لربيع نفسى أهلكتنى السنوات القليلة الماضية..


بين بلد يكافح أهلها نحو الحياة ..و نفس تتوق صاحبتها لأن تشعر بالحياة.. و بين الكفاحين كانت تتعاظم الأوجاع و تختلط بين أوجاع وطنية تلقى بظلالها على أوجاعك الشخصية و تتحد معها ..فتكن المحصلة..إنعدام شهية تام للحياة..وتتحول الفكرة من حياة بكل ما تحمله حروف الكلمة من حيوية لاستمرار بكل ما تحمله الكلمة من معنى يدلل على اللا روح..اللا إحساس..فقط إستمرار بلا معنى .


ربما استيقظت هذا الصباح و بداخلى تلك الرغبة المستبدة لأن أكتب..استقررت على أن أكتب عنى فى السنوات الثلاث التالية للثورة..و ما ألّم بى من تغيرات جسام ..بعضها يرتبط بالثورة و ما فرضته   من تغيرات جعلت أسوأ ما فى قاع المجتمع يطفو على السطح و يجبرك على العيش معه بصورته الفجة تلك..و بعضها يرتبط بتغيرات تفرضها عليك طبيعة المرحلة العمرية التى تمر بها و تجعلك كالأبله فاتحاً فاه طوال الوقت لأنه غير قادر على استيعاب كثرة و درامية التغييرات من حوله ..و ارتحت كثيراً فى الواقع حينما وجدت تفسيراً علمياً لقسوة تلك المرحلة : أزمة ربع العمر ..فى الفترة بين سنوات عمرك ال 25 و الــ 35.


مرت علىَ بعض الدقائق و أنا أفكر فى شىء من الفزع  فى كم القتامة المفرط فيما أكتبه مؤخراً..أنتابتنى دهشة أكبر من فكرة أننى فى الواقع أسترسل فى الضحك بحد لا يعكس حالتى النفسية أبداً..و لا يعكس قدر القتامة تلك فى كتاباتى..وتهت فى فكرة أيهما أنا !


..اهتديت لتفسير هدأنى قليلاً..وهو أننى فى الكتابة ربما أفرغ عصارة تفكيرى..و أنا أفكر كثيراً..أفرط فى التفكير فى شتى أمور الحياة و معانيها ..لا بأس بذلك ..لا مشكلة سوى فى أن تكتشف أنك تحولت دون أن تدرى لشخص يحيا  بشكل نظرى  فقط مع الأفكار المجردة بلا إقتراب حقيقى من التطبيق، لأنك تريد  أن يكون كل شىء كما يقول الكتاب..أن تستغرق فى التفكير ثم التفكير ثم التفكير لتجد أنك فى النهاية تقيّم الأمور فكرياً بدرجة أكبر من الإنغماس فى التجربة ..وهى بعبارة أخرى لعنة الخوف من الفعل لكيلا يكون على المستوى المطلوب الذى ترتضيه ..وهى لعنة..لعنة عظمى !


دارت كل تلك الأفكار فى رأسى و أنا تستبدنى الرغبة ف الكتابة ..فوجدت أن لا شيء أجدى حالياً من الكتابة عن ثورة ربيع نفسى..فى محاولة منى لمزيد من الفهم.


مثلت السنوات القليلة الماضية ثورة ربيع لنفسى توازت مع الثورة السياسية ..فى الحالتين تعرف أن بإمكان الأمور أن تكون أفضل و أنه ينبغى عليك التحرك فى مواجهة خوفك أولاً ثم ما أستقر فى الأذهان طويلاً..أن تحطم كل تلك الأساطير التى آلفتها الأذهان دون تَفكُر ف مدى مناسبتها من الأساس..صارت من المسلمات التى نسلمها لبعضنا البعض دون أن يقف أمامها أحد لوهلة متأملاً إياها..ضع تحت ذلك البند كل تلك الأعراف البالية التى تحصرك فى قوالب معينة ..ضع كل تلك الثوابت التى تكتشف بعد زمن من الإلتزام بها أن من يشرعها لك لا يطبقها على نفسه..ضع فى ذلك تناقضات مجتمع منهكة..إلخ


مثلت السنوات القليلة الماضية ثورة ربيع لنفسى توازت مع الثورة السياسية..فى الحالتين كانت العفوية محركة للأمور دون خطة واضحة ..وبلا خطة ربما تحرز بعض التقدم ،لكنك فى مرحلة ما..عند نقطة ما ستتوه..ستتوقف تماماً جاهلاً بالخطوة التالية التى يتوجب عليك أخذها..و فى حالة إدراكك أن وقوفك فى المنتصف قد يمحى كل ما أحرزته سابقاً..ربما تتسرع..ربما تأخذ عدة خطوات غير محسوبة لمجرد حفاظك فقط على فكرة المضى قدماً...لمجرد الخوف من شبح التراجع لوضع سابق.


مثلت السنوات القليلة الماضية ثورة ربيع لنفسى توازت مع الثورة السياسية..فكلتا الثورتين كشفت عن واقع موجع للغاية ..لا يتناسب مع الأفكار الحالمة فى رأسك..و أن البقاء ليس بالضرورة للأقوى..و لا للأذكى ..و لا للأكثر إجتهاداً ..و إنما البقاء للأقدر على إقتناص الفرص..للأدهى ..وبعفويتك لن تبقى إلا فى ذلك الحيز الذى تظل تصارع فيه نفسك لا أكثر.



مثلت السنوات القليلة الماضية ثورة ربيع لنفسى توازت مع الثورة السياسية..فبرغم كل الخروج عن النص..برغم كل الإحباط الذى يخيم على الأجواء..مازال هناك إحتمال قائم بأن إعادة التنظيم و استخلاص الدروس المستفادة ربما ..ربما يرجعك ثائراً من البداية ..وبداية بعد نهاية موجعة..و إن طال وقتها لالتقاط الأنفاس و الاستيعاب و تجاوز كل الألم..ستكون بلا شك.. ربيعاً حقيقياً