الجمعة، 6 نوفمبر 2015

أنتِ مش زى الجميع

لو كنتِ ستقرئين هذه السطور..لو كان  فقط نظرك سيسعفك للملمة هذه الحروف، لعلمتى أنكِ دائمًا وأبدًا اختيارى الذى لا أتردد فيه أبدًا، وأنكِ يا جدتى قصتى التى لن أمّل أبدًا من ترديدها.



ربما علّمتينى دون قصد منك عدة أشياء تركت أعمق الأثر فى نفسى، علّمتينى أن أعظم الأشياء فى حياتنا قد تأتى على هيئة بسيطة جدًا..مثلك تمامًا، ربما كل ما استقر فى ذهن المرء عبر سنوات عمره  بشأن الأشياء الكبيرة..العظيمة، قد ضاع هباءً أمام هذه الحقيقة..أمامك، تبيّن يا جدتى أن الشىء الذى يستحق الاحتفاء به حقًا يأتى إلى حياتنا فى هدوء..بلا ضجة أو صخب كما كنا نتصور، هل تعرفين ما قاله يومًا "واسينى الأعرج" عن السعادة، حينما قال أنها لا تحتاج إلى استحالات كبيرة، وأن بإمكان أشياء صغيرة أن تهزنا فى العمق، يبدو أن الأمر ذاته ينطبق على الأشخاص، وأن أجمل مْن يصادفوننا فى حياتنا، ويهزوننا من الداخل، هم هؤلاء الذين كان دخولهم لحياتنا هادىءً، فلم نعيرهم انتباهنا الكافى، لنكتشف مع الوقت أن بساطة تواجدهم حولنا..بساطة مشاركتهم لنا فى شتى تفاصيلنا العادية جدًا هو أجمل وأعظم ما قد حدث لنا يومًا، وأنتِ منهم يا جدتى..أنتِ أولهم، وهم قليلون..قليلون للغاية بالمناسبة،  قليلون لأن الأشياء العظيمة لا تتكرر بسهولة، وقد تضيع إن لم نلتفت لها؛ لأنها كما تدخل حياتنا فى هدوء دون جلَبة.. ترحل بهدوء وفى صمت.



تذكرتك اليوم والسماء تمطر، كنت أريد الخروج للتنزه قليلاً، لكننى تراجعت؛ خشية أن تشتد نوبة الاتفلونزا اللعينة، تذكرتك حينما كانت السماء تمطر العام الماضى، ثم ظننت أنك ستعّنفينى للخروج فى مثل هذا الطقس المضطرب، كنت أخبرك حينها على استحياء أننى سأذهب لحضور مسرحية مع بعض الأصدقاء، لتفاجئيننى بتشجيع اندهشت له كثيرًا، لدرجة أننى بعد أن وصلت إلى باب الشقة عدت لكِ مرة أخرى متسائلة: "هو أنتِ ليه بتقوليلى أخرج والدنيا برد كدة"، لتبادرينى قائلة: " عشان عايزاكى تتبسطى"، أتذكر جيدًا أننى قبّلت رأسك ويدك حينها..لهذا يا جدتى أحبك، ولهذا يكون الحب فى مجمله: تشجيع.. ودفع للآخر فى اتجاه ما يحب..ثم سعادة لمجرد سعادة الآخر، الحب يا جدتى إيثار، وأظننى تعلمت ذلك منكِ.



أكتب عنك الآن بينما يأتينى صوت منير فى الخلفية، وكأنما علم أن الحديث عنكِ وحولكِ، فبادرنى بجملة أنتِ مش زى الجميع" لأضيفها،  فابتسم وأصّدق على كلامه..نعم " أنتِ مش زى الجميع".